قضايا وآراء

واشنطن وأنقرة.. تقاسم أدوار

| رزوق الغاوي

ثمة سيناريو أميركي تركي تتوالى فصوله في هذه الآونة، ويقضي بمنح أنقرة الحليفة الأطلسية فرصة الهيمنة على مناطق سورية عند الحدود الشمالية عبر«احتلالٍ مبطن» ومُغطى بستارة «المنطقة الآمنة» من جهة، ويقضي من جهة ثانية بمنح الفصائل الكردية كانتوناً في شمالي شرقي البلاد بحماية أميركية، وخاصة بعد تراجع الرئيس الأميركي عن قراره بالانسحاب العسكري من سورية وقوله: «لم أقل أبداً إن ذلك سيحدث على وجه السرعة» وتأكيد أميركيين آخرين أن هذا الانسحاب سيكون بطيئاً، حيث وصف مستشار ترامب لشؤون الأمن القومي جون بولتون الجدول الزمني لانسحاب القوات الأميركية من سورية بأنه جدول مرن، ما يذكرنا بالوعود الأميركية بالانسحاب من العراق بُعَيْدَ احتلاله في العام2003 بينما لا يزال الاحتلال الأميركي قائماً وبزيادة قاعدتين عسكريتين جديدتين في العراق وعلى مقربة من الحدود السورية، وأن الأميركيين دخلوا أفغانستان منذ سبعة عشر عاماً ولا يزالون هناك، ما يعني أن الاحتلال الأميركي لشرق الفرات وبعض الشمال السوري مستمر حتى إشعار آخر حسب ما تحلم به الإدارة الأميركية، تارة بذريعة حماية الأكراد ومنع أنقرة من الاستفراد بهم، وأخرى بذريعة محاربة تنظيم داعش الذي يعيش في الوقت الراهن حالة من الاسترخاء والاستقواء بالقوات الأميركية في منطقة شرق الفرات التي لا تشكل تحركاتها الأخيرة انسحاباً أو جزءاً من الانسحاب بل إن تلك التحركات لا تعدو كونها مجرد عملية إعادة انتشار، مع التركيز على وجود سيناريو أميركي تركي أكدته أنقرة من خلال إعلان الخارجية التركية معارضة دخول الجيش العربي السوري إلى مدينة منبج في ضوء ما يتردد حول وجود اتفاق تحت الطاولة بين واشنطن وأنقرة على أن تكون المنطقة الآمنة التي اقترحها ترامب ووافقت أنقرة عليه تحت وصاية الجيش التركي، ما يتعارض مع الإصرار السوري على أن تكون المناطق السورية قاطبة الآن وفي المستقبل منضوية بالكامل في إطار السيادة السورية المطلقة، والتأكيد الروسي على ضرورة وضع تلك المناطق تحت سيطرة القوات المسلحة والهيئات الإدارية السورية.
في ضوء ما تقدم نجد أن إعلان ترامب حول الانسحاب جاء ملتبساً عكسته تصريحات لاحقة لترامب نفسه ولمسؤولين أميركيين تتناقض شكلاً مع مضمونه، لكنها تتفق موضوعياً مع سياسات واشنطن وأنقرة تجاه المسألة السورية خاصة وتجاه المنطقة عموماً، مع الأخذ بالحسبان التواطؤ الأميركي الذي يخدم نيات الحليف التركي العدوانية المبيتة على السيادة السورية، ولو استعرضنا بعجالة التطورات المتسارعة التي شهدها العام المنصرم في الساحة السورية وخاصة الحراك الميداني وتداعياته الإيجابية للموقف السوري وموازاته مع حراك سياسي دبلوماسي مكثف على مختلف الصعد العربية والإقليمية والدولية، لو استعرضنا تلك التطورات لوقفنا على حقيقة ما أراد ترامب أن يخفيه من وراء زعمه العمل على سحب القوات الأميركية من مناطق شرق الفرات، على حين أعلنت «قيادة قوات التحالف الدولي» التي تحتل أجزاء من الشمال السوري بذريعة محاربة داعش، ارتفاع عدد أعضاء التحالف من 70 دولة و4 منظمات إلى 74 دولة و5 منظمات، وقيام كوادرها بتدريب ما يزيد على 173 ألف منتسب ضمن القوات الأمنية التي تقودها تلك القيادة.
في السياق أراد ترامب من خلال إعلانه، ممارسة المزيد من الضغوط لعرقلة المساعي السياسية الخاصة بشرق الفرات من جهة، ومن جهة ثانية إنعاش سيطرة تنظيم داعش عند الحدود السورية العراقية، وافتعال صدام عسكري بين التنظيم وميليشيات «قوات سورية الديموقراطية – قسد» وصولاً إلى تكريس سيطرة الأخيرة على تلك المنطقة وفصلها عن سورية وجعلها ورقة مساومة على طاولة التسوية.
تبدو الإشارة مفيدة إلى أن الإدارة الأميركية سبق أن بررت احتلال شرق الفرات بأنه تم لمحاربة داعش وحماية «قسد» في مواجهته، غير أن واشنطن وإرضاءً لحليفتها التركية قررت وضع «قسد» منفردة في وجه داعش متخذة من ذلك ذريعةً لاستمرار احتلالها لتلك المنطقة، وبذلك تكون واشنطن قد أمسكت بالعصا من الوسط فبقيت في شرق الفرات بحجة حماية الأكراد من البطش التركي، وحمت تركيا من أي عمليات عسكرية كردية ضدها، وتبقى مسألة السيادة على المنطقة الآمنة المقترحة أميركياً موضع إصرارٍ سوري مطلق وغير قابل للنقاش سواء قبلت تركيا أم لم تقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن