من دفتر الوطن

فعل التطنيش!

| عصام داري

بينما نعيش أجواء الشتاء والبرد والزمهرير، يعيش سكان النصف الجنوبي من الكرة الأرضية في صيف حار جداً وقد بلغت الحرارة في أستراليا خمسين درجة ما أدى إلى انصهار الإسفلت على الطرق!
لذا أرجوكم لا تتذمروا من البرد الذي حل بديارنا واحمدوا اللـه على نعمة المطر والثلج والبرد، فهي خير ينعكس على شعبنا الطيب، وعلينا التأقلم مع هذه الأجواء على الرغم من كل الأعباء والمشكلات التي تسببها.
ولا يتهمن أحد الحكومة والمسؤولين في هجوم المنخفضات الجوية الواحد تلو الآخر، وإياكم اتهام الحكومة بالمسؤولية عن أزمات الغاز والكاز والبنزين والكهرباء، لأن كل شيء تحت السيطرة لولا العقوبات التي تؤخر وصول السفن المحملة بالغاز وتوابعه، والحق على الطليان!
أنا من جهتي قررت بعد اليوم ألا أوجه أي نقد للحكومة والمسؤولين الكرام، ليس خوفاً، لا سمح الله، وإنما لأنني اكتشفت للمرة المليون أن كل ما نكتب أنا وغيري من عباد اللـه الصابرين، وكل كتاباتنا وصراخنا وشكاوانا يذهب أدراج الرياح.
لكن، وللأمانة، فإننا نسمع كل يوم وعوداً خلبية (عفواً خلابة) عن انفراج لكل تلك الأزمات التي صارت تقليداً وفلكلوراً يخص السوريين دون سواهم من عباد الله.
ولأننا صالحون وأصحاب نيات صافية فعلينا تصديق تلك الوعود من دون تردد، وإلا جعلتم أنفسكم ألعوبة بأيدي الأعداء والطابور الخامس والسادس والسابع.
واجبنا تصديق كل ما يصدر عن أصحاب القرارات الاقتصادية والمالية والنفطية والغازية وعدم التشكيك بأي تصريح أو إجراء مهما بدا غريباً وجائراً وغير شعبي، لأن من أصدره أكيد يفهم أكثر من كل الشعب ويعرف مصلحة الشعب وطريقة اللعب، ويا حبذا لو كانت طريقة هجومية: أربعة ثلاثة ثلاثة، كي نتجاوز دور المجموعات في كأس الأمم الآسيوية (وعطينا عمر)!
علينا تصديق الحكومة من دون نقاش ولو قالت إن اللبن أسود اللون ومخطط بالأحمر، ولو قالت لنا إن رفع سعر الغاز مفيد للعيون، وارتفاع أسعار المحروقات يجلب الحظ، وبرد الشتاء ينشط المخ ويقوي الذاكرة، وإن الجوع طريقة مبتكرة لتحفيز الناس على فعل الخير ومساعدة الفقراء المعدمين.
لكن الأهم من كل ذلك التزام الجميع وبدءاً من اليوم بعدم الغمز أو اللمز من طرف الحكومة وحضرات المسؤولين عن كل الكوارث التي يعيشها شعبنا، لا لشيء، إلا لأن كلامهم لا يصل أبعد من أنوفهم وبعد ذلك يتلاشى في الفضاء، ولا حياة لمن تنادي، والدليل أن الناس تكتب عن مشكلاتها على مدار الساعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك في صحفنا المحلية وضمن الحيز الضيق جداً المتاح لها، ولا توجد أي أجوبة أو معالجة، وكأن المطلوب زيادة عذابات المواطن (ومين عذبك بتخلص مني، وذنبي أيه بتعذب فيّ) كما تقول الأغنية.
المهم أنني كما قلت سابقاً، لن أنتقد الحكومة بعد اليوم، إلا إذا اقتضت الضرورة، ومن يدري، فقد تقتضي الضرورة أن أوجه أشرس الانتقادات غداً أو بعد غد، وربما بعد لحظة واحدة «أي نعم سيدي» لا أستطيع التطنيش كما تفعل الحكومة، والقادر على فعل التطنيش يرفع يده!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن