ثقافة وفن

ما زلنا نعيش هاجس اللحظة

د.علي القيّم : 

أثبتت الأحداث الجسام التي مرت على الأمة العربية في العقود الزمنية الماضية، أن العرب لم يستفيدوا من الدروس، وما زالوا يعيشون هاجس اللحظة، ويلعبون في اللحظة، ويحكمهم منطق القبيلة، ويعملون على تشغيل أدمغتهم في حدودها الدنيا… آه لقد أضنانا التصدّع والتشرذم و«الموت داخل الزجاجات الفارغة» ولا أحد أكثر اعتباطاً من إسرائيل وهي ترى إلى أين وصل حالنا، ووصل الصراع العربي، العربي، كأنه لوعورة تضاريسه الطبيعية، والبشرية، أصبح مسرح اللا معقول.. لقد سقطت جميع الأوراق، حتى ورقة التوت، ولا أحد يريد أن تتوقف حالنا عند حد معين.. لقد أحرقوا ودمروا وقتلوا البشر والشجر والحجر والأثر، وما زالت الاحتمالات الكارثية تلوح في الأفق، والجميع يعلم علم اليقين أن الحرب لن تكون مفتاح الحل للخروج مما نحن فيه..
أغلب الدول العربية أصبحت منكوبة بالحروب الأهلية والإرهاب والفوضى الخلاقة، التي دمرت القيم والأخلاق والسياسة والاقتصاد، وكل ما يحدث وحدث، يدل على أن العرب لا يهمهم أن يعرفوا مدى حجم ما دبر ويدبر لهم من مؤامرات، وما يعقد من صفقات مشبوهة واضحة للقاصي والداني، تهدف إلى تدمير الوجود العربي، وزرع جذور التطرف الديني والمذهبي، الذي لا يمكن أن يكون نتاجه إلا الشر والقتل والدمار الشامل، وجمود العقل والفكر، والتغريبة المأساوية الكبرى التي فاقت كل تغريبات البشرية عبر التاريخ.
لقد شردت حروب «الربيع العربي» ملايين العرب في شتى أنحاء المعمورة، ودمرت المدن والبلدات والقرى، وأهانت العزة الوطنية والعربية، وفقد الناس في كثير من البلدان العربية حق الانتماء، وتكدسوا في معسكرات تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة البسيطة، واستغلت البلدان التي لجؤوا إليها ضعفهم وأهانت كرامتهم وإنسانيتهم، وأفقدتهم حيواتهم وآمالهم وأحلامهم.
لقد أثبتت الأحداث، أن الولايات المتحدة الأميركية بدأت تخطط لما حدث ويحدث في بلداننا العربية منذ أكثر من نصف قرن، وقد نفذت ما خططت له بكل دقة ومنهجية وبعد نظر، وكان الإطار العام، تداعيات الحرب الباردة، وتفجر الصراع بين «الشرق والغرب» وما تلا ذلك من تفاقم نفوذ أميركا في العمل على إسقاط أنظمة الحكم، غير كاملة الولاء لها في كثير من دول العالم الثالث، وفق قواعد دخول قوى ومنظمات فاعلة تساعد على خلق قواعد لعبة جديدة تخلق الفوضى والبلبلة والاضطرابات والدمار وعدم الاستقرار و«حروباً لا نهاية لها».
الأوضاع السائدة الآن، في عدة بلدان عربية، هي انعكاس لسياسة الولايات المتحدة الأميركية، التي تحدثنا عنها، كلها أزمات تتجاوز وصف الكوابيس، وتداعياتها الجارية لا تبشر بالخير مطلقاً، بل تحمل مخاطر وهواجس، وإذا استمرت على هذا الحال، في سلبياتها المتراكمة، ولا يوجد فيها مبعث أمل، ولو بعد حين، وسوف تكون النتيجة المؤكدة، انتشار اليأس والإحباط وفقدان الثقة بكل شيء… لقد فقدنا البوصلة.
الحل لن يكون مطلقاً فيما ذهبنا إليه من رؤية تشاؤمية، ولا في مزيد من الحروب والقتل والإرهاب والتدمير والتهور، ولا في إشعال الغرائز الانقسامية والمذهبية والطائفية، التي تدمر الأوطان ووحدة الشعوب.. الحل يكمن في العمل بكل الإمكانيات والطاقات والجهود لوقف الحال المتردي الذي وصلنا إليه.. الحل في رفض «الموت السريري»… الحل في وقف تفكك المجتمع وضعفه وانقسامه وخرابه… الحل في أن يبقى العقل متحرراً من تبعات الماضي، وأن نتحرر من سلطة المال، وسطوة أميركا «الشيطان الأكبر»، وسوف نظل ندفع الثمن من أرواحنا ومستقبلنا حتى نحفظ معنى الآية الكريمة: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» صدق الله العظيم.
الحل، لن يكون كلامياً ولا خطابياً، ولا في تصفية الحسابات بين مؤيد ومعارض، لقد آن الأوان لوضع نهاية لما حدث ويحدث، ولوضع بداية لمرحلة جديدة، بعيدة كل البعد عن «حد السيف» الذي فرضته أميركا وأعوانها حول رقابنا.. لقد أرادت أن تجعل الوطن العربي ساحة مفتوحة لكل أنواع الشر، من أجل تدمير الأرض وجلد العروبة، وتشويه الإسلام، ومع ذلك ما زلنا ننتظر الحل من أميركا… يا للمفارقة الكبرى؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن