ثقافة وفن

التهريج سمة العصر…المهرج من كائن بسيط محبب إلى مفزع وشرّير

 ديالا غنطوس : 

المهرج.. شخصية محببة لطالما استمتعنا بمشاهدتها، تقفز… تمرح.. وتنشر البهجة أينما حلت، تثير ضحك الكبار قبل الصغار، لكن أين مهرجو اليوم من مهرجي الأمس؟ هؤلاء الذين نشاهدهم بغير أقنعة ملونة، في كل مكان ينتشرون، سواء في الحياة العامة أو على الشاشات، يبتدعون نكاتاً لا تجدي، ويلبسون وجوهاً لا تقنع، عيونهم تلمع بزيف وضحكاتهم تكشف عن أنياب، تهريج مخيف لغايات دنيا، سيرك الحياة لم يعد ممتعاً، بل تحول إلى تهريج عبثي أشبه بالرعب.
وإن انطلقت من تلك المقدمة فذلك للإضاءة على شخصية المهرج التي لم تسلم أيضاً من مخيلات مخرجي الأفلام السينمائي، فتطورت إلى شخصية امتلكت من الرعب الكثير، ما جعلها كفيلة بالتحول إلى قاتل لكل تفاصيل الحياة والضحكات، فبثت خوفاً في قلوب الكبار والصغار واغتالت الفرح الذي طالما رافق تلك الحالة المحببة لدى الجميع.

وعبر جولة سريعة على أشهر الأعمال السينمائية التي قدمت المهرج بتلك الصورة القاتمة والمؤذية نجد أن فيلم « فارس الظلام The Dark Knight» يحتل المرتبة الأولى دون منافس، وهو فيلم أميركي بريطاني قام كريستوفر نولان بإخراجه والمساهمة بكتابة أجزاء منه كما تولّى إنتاجه عام 2008، ويأتي الفيلم ضمن سلسلة أفلام البطل الخارق «باتمان»، واستوحى نولان فكرة الفيلم من عدة روايات وأعمال سينمائية كانت إحداها تلك التي ظهر فيها الجوكر «الذي أخذ هيئة المهرج» للمرة الأولى عام 1940 في القصص المصورة، بشخصيته الشريرة والإجرامية واتخاذه موقع العدو المعتاد للبطل الخيالي باتمان، وأدى شخصية الجوكر في فيلم The Dark Knight الممثل الأسترالي هيث ليدجر، حيث يقوم الجوكر بالتعاون مع شركائه بسرقة أحد المصارف، الذي تعود ملكيته لإحدى شبكات المافيا، قبل أن يلوذ بالفرار مصطحباً معه كل الأموال، فيتولَّى باتمان مهمة البحث عنه خصوصاً بعد أن هدد سكان مدينة غوثام بالقتل وبعد محاولته اغتيال عمدة المدينة، وينتهي به الأمر بوقوعه رهن الاعتقال على يد باتمان بعد مطاردة عنيفة. وقد ظهرت أبعاد شخصية الجوكر بتفاصيلها الشريرة التي تجسد الفوضى من خلال مشهد التحقيق المباشر الذي قام به باتمان مع الجوكر إثر اعتقاله، وأدت براعة الأداء من قبل الممثل هيث ليدجر لأن تنال شخصية الجوكر ذو وجه المهرج إعجاب الجماهير كما النقاد وحققت نجاحاً مبهراً وحصدت عدداً من أعظم الجوائز كان أهمها أوسكار وغولدن غلوب وبافتا عام 2009.
يتكرر الأمر إنما بأسلوب مرعب يخلو من الكوميديا في فيلم الأكشن والخيال «سباون Spawn» الذي أخرجه الأميركي مارك ديبي سنة 1997 من بطولة مايكل جاي وايت وجون ليجويزامو الذي لعب دور المهرج وقد أطلق عليه اسم Violator وتعني «المنتهك»، ما يثير الرعب فعلاً أن هذا المهرج قد أتى من الجحيم برفقة عدد من الشياطين الآخرين، تبدأ القصة بمقتل العميل الخاص «آل سيمونز» الذي يعمل لحساب منظمة سرية وذلك أثناء تأديته لإحدى مهماته التي زجَّه بها مدير المنظمة الشرير جيسون بهدف التخلص منه والسيطرة على العالم، بعد موت سيمونز تنتقل روحه إلى العالم السفلي الذي يسيطر عليه الشيطان، حيث يقوم باحتجازه خمس سنوات قبل أن يعيده للحياة باسم سباون وذلك بموجب صفقة يكون من خلالها سيمونز جندياً من جنود الشيطان، وأسندت إليه عن طريق «المهرج» الذي يُعتبر وكيلاً للشيطان مهمة قتل جيسون، جيسون الذي أجرى صفقة مع الشيطان أيضاً عن طريق المهرج ذاته والذي سيدمر من خلالها العالم عن طريق نشر فيروس قاتل بهدف السماح للجحيم بمهاجمة الجنة، ولتكتمل الإثارة وحالة الرعب يتحول ذاك المهرج في نهاية الفيلم إلى وحش عملاق يسعى لتدمير كل شيء حوله.
وفي وقتنا الراهن، يتم العمل على إعادة إحياء رواية الرعب التي ألفها الكاتب الأميركي ستيفن كينغ عام 1986 والتي تحمل اسم «ذلك It»، حيث يجري العمل على تحويلها إلى فيلم سينمائي مكوَّن من جزأين، بعد أن تم تحويلها عام 1990 إلى سلسلة حلقات تلفزيونية قصيرة حملت الاسم نفسه وكانت من بطولة الممثل «تيم كاري»، حققت تلك السلسلة نجاحاً منقطع النظير بعد أن تمكنت من دبّ الرعب في قلوب المشاهدين حينها، فترسخت صورة ذاك المهرج المرعب الذي يتحول ليلاً إلى عنكبوت ضخم يهاجم الناس، وقد كانت تلك المرة الأولى التي تتحول فيها شخصية المهرج الذي اعتيد أن يكون محبباً ومسلياً إلى كائن مفزع وشرير، فنجد أن الرواية تتمحور حول شخصية «المهرج الراقص بينيوايز Pennywise the Dancing Clown» وهو مهرج قاتل ومفترس بطرق سادية، ويمتلك القدرة على أن يتحول لأسوأ المخاوف التي تعاني منها فرائسه وضحاياه من خلال استغلاله لنواحي الرهاب التي يعانون منها في حياتهم، تبدأ القصة حين يقوم سبعة من الأطفال المنبوذين اجتماعياً باكتشاف المهرج بينيوايز الشرير الذي يقوم بترويعهم، فيتعهدون بتدميره بأي وسيلة ممكنة، وتدور القصة خلال فترتين زمنيتين مختلفتين، الأولى عندما يكتشف هؤلاء المنبوذون بينيوايز وهم في مرحلة الطفولة ومطاردته لهم حتى تخلصوا منه أول مرة، والقسم الثاني بعد أن أصبحوا كباراً بالغين فيتم استدعاؤهم لهزيمته بعد عودته مجدداً لينتقم ممن آذوه سابقاً ويحيل حياتهم لجحيم مفزع. يتولى إخراج الفيلم القادم المخرج الأرجنتيني أندريس موشيتي إثر إنسحاب المخرج كاري فوكوناغا من إخراج الفيلم الذي كان من المقرر إطلاقه خلال صيف عام 2015 بعد مرور ثلاث سنوات من العمل عليه.
ظهرت شخصية المهرج الشرير في العديد من الأفلام الأخرى وإن لم يحتل دور البطولة المطلقة لكنه ترك ذلك الأثر السلبي الكافي في نفسية المشاهدين، بدا هذا جلياً في فيلم «أرض الموتى الأحياء Zombie-land» الذي يكون فيه أحد الموتى الأحياء مهرجاً يثير الهلع بأفعاله الشريرة والدموية كأن يقوم بشق رؤوس الأطفال لكي يلعق أدمغتهم أو أن يقطع أحد أطرافهم أو أن يحول بعضاً منهم إلى أموات أحياء «زومبي» مثله، الشيء ذاته يتكرر إنما بمستوى أقل إجراماً في فيلم «مغامرة بي وي الكبيرة Pee-wee’s Big Adventure» حيث يظهر مجموعة من المهرجين المفزعين في مشهد واحد من الفيلم خلال كابوس يعيشه «بي وي» في منامه، فيراهم محيطين به ويريدون أن يجروا عملية جراحية له على حين أنه غير قادر على الحركة، فكانت تلك إحدى الحالات التي تقدم بها شخصية المهرج بطابع شرير ومؤذ.
من الصعب إدراك وتحليل الغاية التي ينشدها صانعو الأفلام من وراء تحويل هذه الشخصية المبهجة والممتعة للأطفال وتقديمها بهذه الصورة المفزعة التي تخيف من اعتادت إضحاكهم وتسليتهم، ما الإفادة من قلب المفاهيم وكسر الصورة النمطية لشخصية المهرج التي يهواها الأطفال؟ أهو فقط تقديم جرعة مضاعفة من الرعب بهدف تحقيق رقم أعلى من المبيعات؟ أم إن بعض صناع السينما باتوا يستغلونها لكي تكون إحدى الوسائل الخبيثة للإخلال بالعامل النفسي للأجيال الناشئة والقادمة؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن