قضايا وآراء

نتنياهو.. طموح بالنصر في معركة خاسرة

| محمد نادر العمري

من المقاربات الواضحة التي تلازم تصدير الأزمات نحو الخارج أو التحضير لأي انتخابات داخل الكيان الإسرائيلي منذ إعلان تأسيسه، هو تزايد احتمالات النشاطات العسكرية أو شن حروب خارجية، باعتبار أن الأزمات الداخلية أو موسم الانتخابات تشكل محطة أو مناسبة للقيادتين السياسية والعسكرية الحاكمة في تل أبيب لتصفية حساباتها داخلياً أو التخلص من أعبائها بهدف تلميع صورتها وزيادة رصيدها عبر استقطاب تأييد المستوطنين عبر النشاط العسكري الخارجي لمواجهة خصومها من التيارات أو الأحزاب الأخرى في المعركة الانتخابية.
غير أن موسم الانتخابات الإسرائيلية هذه المرة تتزامن مع ظروف ومتغيرات داخلية وخارجية لا تصب في مصلحة رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو، وتحد من قدراته الاستعراضية بشن حروب كبرى ومباشرة نتيجة تآكل القدرات التفوقية لسلاح الجو الإسرائيلي بشكل خاص وتغير موازين القوى وقواعد الاشتباك التي فرضها محور المقاومة.
ضمن هذا الإطار يلجأ رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو للاستمرار في سياسته «العدوانية العسكرية دون الحربية» ضد سورية بذريعة الوجود الإيراني أو إيقاف وصول السلاح لحزب اللـه لإحراز نصر ضمن ما يمكن وصفه «جولة ضمن المعارك أو معركة ضمن الحروب» وهو بذلك يهدف إلى تحقيق ما يلي:
1. تحسين وضعه الانتخابي بعد تأزم وضعه داخلياً: حيث لم تعد قضايا الفساد القضائية التي تلاحقه هو وزوجته السبب الوحيد في زيادة هذا التأزم، بل إن الإعلان عن حل الكنيست وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في 10 نيسان القادم، قد تنهي حياته السياسية أو تدفعه نحو ائتلاف يضعف موقعه في أحسن الأحوال، بعدما هدف من ذلك أن تكون خطوة يهرب بها إلى الأمام بهدف تأخير موعد محاكمته كخطوة أولية، في ظل زيادة التحالفات التي بدأت تتبلور لدى خصومه من احتمالية تحالف اليسار والوسط ودخول الانتخابات ضمن قوائم مشتركة وصولاً إلى إعلان وزير التربية والتعليم نفتالي بينت ووزيرة القضاء إيليت شاكير إنشاء حزب «اليمين الجديد» الذي اعتبره حزب الليكود خطوة خطيرة من شأنها أن تهدد مستقبل الحزب واليمين بشكل عام.
وهذا ما دفع نتنياهو نحو المجازفة أكثر في عدوانه على سورية وإعلانه غير المسبوق بالقيام بذلك ضارباً عرض الحائط باعتراض «اللجنة الوزارية لشؤون الأمن القومي الإسرائيلي – الكبينت» وغير آبه بتدحرج الأوضاع نحو الهاوية رغم الرسائل المباشرة وغير المباشرة التي وصلته، مستغلاً تعيين رئيس هيئة الأركان الجديد أفيف كوخافي، الذي كان رئيساً للقيادة الشمالية، والتأييد الأميركي لمثل هذه العمليات العدوانية تحت ذريعة مواجهة إيران في الساحة السورية والتي كان آخرها على لسان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي قال حرفياً من القاهرة: «نحن ندعم بقوة جهود إسرائيل لمنع إيران من تحويل سورية إلى لبنان آخر»، لذلك يلاحظ في العدوانين المتتاليين على دمشق في أقل من 14 ساعة ما يلي:
• اتباع تكتيك المراوغة والتمويه عبر الاعتداء الأول الذي جاء بوضح النهار لتحقيق كامل الأهداف في العملية الثانية التي اتسمت بالكثافة النارية لفترة هي الأطول ولمدة 55 دقيقة، فالتقديرات الإسرائيلية كانت تفترض عدم توقع القيادة العسكرية السورية القيام بعدوان ثانٍ خلال فترة زمنية أقل من 24 ساعة وبتوقيت كان رئيس الحكومة الإسرائيلي في زيارة إلى تشاد وهذا يجعل حالة الاستعداد والتأهب للمضادات الجوية في حالة أقل من مستواها العملي، ما يمنح جيش الاحتلال عنصر المباغتة والمفاجئة لتحقيق بنك أهدافه من استهداف الرادارت وحتى مدارج الطائرات المدنية والعسكرية مروراً بمستودعات التخزين والسلاح.
• انطلاق العدوان الثاني عبر ثلاثة مسارات من الجولان المحتل، والأجواء اللبنانية، وأصبع الجليل، بغية تشتيت انتباه رادارات الجيش السوري أو اختبار مدى قدراتها الاستكشافية استعداداً لجولة قادمة محتملة.
• محاولة رفع معنويات الجنود الإسرائيليين من خلال هاتين العمليتين بعد ارتفاع نسبة الدراسات والتقديرات العسكرية التي تؤكد عدم جهوزية جيش الاحتلال لخوض حرب مباشرة مع حزب اللـه وازدياد حالات التسرب والتهرب من الخدمة الإلزامية لنسبة عالية في 2018.

2. أما على الصعيد الخارجي: فإن المتابع لتطورات الأحداث الحاصلة أولاً على كامل خريطة الشرق الأوسط وتعقيد أزماتها وفي علاقات تل أبيب الخارجية ثانياً، يلحظ أن كلا المسارين لم يحقق للكيان الإسرائيلي مبتغاه.
فالحرب على سورية زادت من تحالفها مع محور المقاومة وساهمت في استقطاب الدب الروسي للمنطقة ومن شأن ذلك أن يؤثر في علاقات التطبيع الإسرائيلية الخليجية في حال عودة سورية لممارسة دورها العربي وتوازناته التي بدأت السعودية تستنجد به للحفاظ على ماء وجهها ومواجهة النفوذ التركي المتصاعد في المنطقة كمنافس لها على تزعم الساحة السنية، والانعكاسات السلبية التي بدأ الاقتصاد الإسرائيلي يشهدها مع عودة فتح معبر نصيب للعمل والذي أدى لتراجع حركة ميناء حيفا 25 بالمئة، والعراق قاب قوسين أو أدنى لدخول محور المقاومة إن لم يدخل أساساً رغم كل الضغوط السياسية العسكرية التي تفرض عليه، والعقوبات على إيران لم تحد من دورها ونفوذها في المنطقة، فضلاً عن انكفاء الدور الأميركي وتوتر العلاقة مع روسيا.
لذلك يمكن سرد بعض الأهداف الخارجية لهذا العدوان كالآتي:
• تدمير مطار دمشق الدولي ومطار المزة نظراً لما يمثلانه من بوابة دخول واستقبال للوفود الدبلوماسية التي من المتوقع أن تنشط خلال الأشهر القادمة أولاً، وعرقلة عودة النشاط الاقتصادي للمطار وأثر ذلك في تسريع عودة تطبيع العلاقات مع دمشق بعد الزيارات التي قام بها عدد من شركات الطيران الخليجية للاطلاع على جهوزية المطار.
• من الجانب السياسي فهناك حالة انزعاج إسرائيلية من اللهجة الإيجابية التي تحدث بها المبعوث الدولي الجديد إلى سورية غير بيدرسون.
• استعراض العضلات لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية تذكر بالقوة الإسرائيلية على مستوى المنطقة لإقناع دول الخليج بالمشاركة ودعم مؤتمر وارسو المقبل في إنشاء تحالف ضد إيران من جانب، ومن جانب آخر تزامن العدوان مع زيارة رئيس حكومة الكيان الصهيوني إلى تشاد ومحاولة إبراز الثقة والقدرة على مستوى السياسة الخارجية، لاستقطاب المزيد من الدول العربية والإسلامية لتطبيع علاقاتها مع حكومة الكيان، في ظل توافر بعض المعلومات عن إمكانية قيام نتنياهو بزيارة للمغرب وعرض وساطته بين الغرب وواشنطن لحل قضية الصحراء الكبرى مقابل قيام المغرب بخدمة مصالح الكيان الصهيوني من موقعه المسؤول على رأس لجنة القدس.
• تنسيق الجهود بين الحكومة الإسرائيلية ومؤسسات الدولة العميقة في الولايات المتحدة وجماعات الضغط بهدف الحفاظ على الوجود الأميركي في الشمال السوري بذريعة الخطر الإيراني.
• بعث رسائل سياسية بطعم عسكري إلى كرملين موسكو مفادها ضرورة عودة التنسيق الإسرائيلي الروسي إلى ما كان عليه قبل أيلول 2018، ومراعاة ما تسميه تل أبيب المصالح الإسرائيلية في سورية والمتمثلة بإخراج إيران وعدم تحويل هضبة الجولان إلى جنوب لبناني آخر.
من المؤكد أن هذين العدوانين على دمشق لن يكونا الأخيرين بناء على تصريح نتنياهو «بأن الحرب مع إيران مفتوحة» وبذلك يكون نتنياهو، قد أدخل نفسه من خلال القيام بجولات جديدة من اعتداءاته، مرحلة يبتعد فيها عن الحسابات والتكتيكات التي قيدت سلوكه وسلوك كيانه سابقاً، وسيكون هناك ردود فعل ليست بالضرورة عسكرية كما في رسالة الصاروخ «أرض أرض» الذي أطلق غداة الاعتداء الأول، إنما قد يدخل صراع الأدمغة والعقول مرحلة أكثر تقدماً يثبت من خلاله محور المقاومة تفوقه مجدداً قبل موعد الانتخابات بأيام، وعلى نتنياهو العودة لسماع مخاوف رئيس جهاز «الأمن العام – الشاباك» نداف أرغمان، والرئيس السابق لقسم البحوث في «شعبة الاستخبارات العسكرية- أمان» العميد إيلي بن مائير، حول ذلك، إن لم يكن هناك ردة فعل عسكرية يحضر لها اليوم من محور المقاومة ضمن الحرب النفسية لإحداث مفاجأة تغير المقاربة التي يسعى لها نتنياهو بتحقيق النصر ولكن ضمن معركة خاسرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن