قضايا وآراء

‏«صائد الأرنب»‏

| أنس وهيب الكردي

أخرجت الولايات المتحدة أرنباً من قبعتها، رمته أمام ثلاثي أستانا، وما كاد الأرنب يلوح للأتراك حتى بدؤوا ‏العدو وراءه، وإن بحذر شديد، بعد تعلمهم «المر» من تجارب طويلة مع أرانب الساحر الأميركي. ‏
للتعرف أكثر على مجريات الحراك الدبلوماسي حول سورية، يمكن الاستعانة بإحدى أكثر المعضلات ‏دراسةً في علم العلاقات الدولية، إلا وهي: «معضلة صائد الأرنب»، حيث يستخدم دراسو العلاقات الدولية هذه ‏المعضلة لفهم نظم التحالفات بين الدول، والتفاهمات المشتركة، وهي كناية عن اتفاق مجموعة من ‏الصيادين على تعقب غزال في الغابة لاصطياده واقتسامه بينهم، فيضرب الصيادون طوقاً حول كل ‏المداخل والمخارج القريبة من مكان الغزال، ويرابط كل صياد على مقربة من أحد المخارج، آخذاً في ‏انتظار الطريدة، لعل الغزال يخرج فيقوم باصطياده. ‏
أحد الصيادين يلحظ أرنباً بجواره، فيقرر أن يترك مكان مرابطته بجانب أحد المخارج منفكاً بذلك عن ‏بقية زملائه الصيادين، ويلحق بالأرنب على أمل اصطياده، الغزال يدرك الثغرة المفتوحة ويسارع إليها، ‏وينجح بالفرار من الطوق المحكم، وينجو، وبقية الصيادين يعودون بخفي حنين. ‏
تنطبق هذه المعضلة، بشكل أو بآخر، على ثلاثي عملية أستانا؛ فروسيا، إيران وتركيا تجمعوا ضمن إطار ‏هذه العملية، بهدف مواجهة الإستراتيجية الأميركية في سورية، التي رأوا فيها مخاطر على سياستهم أو أمنهم ‏القومي، وكان الهدف الذي عمل عليه ثلاثي أستانا خلال العام الماضي، سواء بشكل مشترك أو منفصل، ‏هو إنهاء التدخل الأميركي في مناطق غرب سورية، ومنع الولايات المتحدة من تنفيذ عمليات فيها، وإخراج ‏الأميركيين وحلفائهم من كامل تلك المناطق.
هكذا ترافق إعلان المبادئ حول إنشاء مناطق خفض ‏التصعيد في نيسان الماضي، بتأكيد روسي على إغلاق مناطق غرب سورية أمام الطيران الأميركي، الذي ‏لا يزال ينفذ عمليات في إدلب تحت عنوان مكافحة إرهاب مسلحي تنظيم «القاعدة» و«هيئة تحرير الشام» أي «جبهة النصرة» سابقاً. ‏
لدى تمكنهم من فرض إيقاعهم على التطورات في غرب سورية، وتلافي الانقسامات بينهم حول إدلب ‏بعد اتفاق سوتشي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، بدأت الدول ‏الضامنة لعملية أستانا، تعد العدة للتضييق على الوجود الأميركي في شرق سورية، وتحت غطاء ‏التصريحات النارية التي أطلقتها الدبلوماسية الروسية، ضد «الوجود الأميركي غير الشرعي» في شرق ‏سورية، صعّد أردوغان من تهديداتها الكلامية ضد مليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية المتحالفة مع ‏واشنطن، ملوحاً بشن هجوم على شرق سورية حتى «في ظل الوجود الأميركي هناك». ‏
وعندما أعلن ترامب قراره الانسحاب من سورية، بعد اتصال هاتفي مع نظيره التركي، بدا وكأن الأخير قد ‏انتصر وأنه نسي شركاءه في عملية أستانا، إلا أنه كان انتصاراً سابقاً لأوانه، فلقد أوضحت زيارة مستشار ‏الأمن القومي الأميركي جون بولتون أن إدارة ترامب تصر على تأمين الحماية لـ«وحدات حماية الشعب» من ‏الانتقام التركي، وأنها تربط انسحاب الجيش الأميركي وسحب عتاده والأسلحة التي سلمها لـ«وحدات حماية ‏الشعب» بمرونة تركية. ‏
لم يتمكن أردوغان من استكمال انتصاره فعاد وطرق الباب الروسي، الذي وجده موارباً، وسط الجمود ‏وتصاعد المخاوف الإقليمية من المطامح التركية، وقد حط المبعوث الأميركي الجديد إلى التحالف الدولي ضد ‏تنظيم داعش جميس جيفري رحاله في أنقرة بمهمة غير معلنة تهدف التفاوض مع الأتراك حول إقامة ‏منطقة آمنة على الحدود السورية التركية.
وجد الأتراك العرض الأميركي مغرياً إلى أبعد حدود، فالمنطقة ‏الآمنة، سبق أن كانت مطلباً تركياً مزمناً للتعامل مع التحديات التي أفرزتها الأزمة السورية على الأمن ‏القومي التركي، ولتؤكد الإدارة جديتها، اتصل ترامب بأردوغان ليبلغه دعمه إنشاء هذه المنطقة بعمق 30 ‏ميلاً داخل الأراضي السورية، من دون أن يتضح فعلاً مصير مسلحي «وحدات حماية الشعب» وأسلحتهم، ‏اللاجئين والنازحين، السيطرة ونظام الإدارة، القواعد الأميركية والغربية في شرق البلاد، وقبل ذلك كله ‏الجدول الزمني للانسحاب الأميركي والأوروبي. ‏
هذه «المنطقة الآمنة هي ما سيحاول الرئيس التركي إقناع نظيره الروسي بالموافقة عليها هذا الأسبوع؛ ‏فأردوغان، الذي أغراه ما أخرجه الساحر الأميركي من قبعته، يسعى إلى إقناع موسكو بأن الجري وراء ‏‏«الأرنب» مثمر، عوضاً عن المثابرة على ممارسة الضغوط على الطريدة الأميركية، أي الغزال، كي تسلم لثلاثي أستانا وتخرج من شرق سورية. ‏

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن