ثقافة وفن

الاقتراب من التعبيرية أكثر من الأسطورة التاريخية … نبيل السمان لـ«الوطن»: المقاربة التي أقدمها أكثر أنسنة سواء من حيث التكوين أم الألوان

| سوسن صيداوي

«إنه مشروع الفن أن تبقي كل الزمن الذي مرّ طازجاً يشبهك، ويشبه أناساً سبقوك، وأناساً لا تزال تعيش معهم، ولكن بفكر نهضوي تنويري، يخرج الإنسان من التخلف والتعصب، ويفتح آفاقاً جديدة… إنه مشروع الفن، فكراً وإنجازاً. أن تعيد تشكيل كيمياء الأشياء.. لوناً وتضريساً، عابراً خط القلق في مغامرة تعادل الوجود. مشهدية لطقس خاص حيث العتم يلِد النور».
من عمق المعنى في العبارات السابقة، إلى أساس الوجود في التاريخ والحضارة العريقة، انطلق الفنان التشكيلي نبيل السمان في أعماله الـ26 -لوحات بأحجام متفاوتة- عبر الألوان والتكاوين التعبيرية برموز حضارية وأساطير سورية، رغم كل الأسى وكل الأهوال حاضناً انتماءه الوطني، متسمكاً بهوية الحضارة السورية -الراسخة عبر آلاف السنين- التي كانت المساعي مرعبة لطمسها، فناننا اكتفى بصراع لوني لا محدود عبر خطوط ثابتة وواضحة، كي يقول: إن الفن التشكيلي ثقافة منيرة، وما قدمه في تجربته الحالية في معرضه المقام في صالة جورج كامل بدمشق، ما هو إلا امتداد في الغنى والمواضيع لأمور وجودية لحضارات فيها من الأساطير الكثير من الغنى، وما بقي منها من آثار ومعالم شاهد على روعاتها التي لن تتغير ولا يمكن أن تتبدل.

حديث الفنان
«إنها اللوحة.. شاهد عصر، ونشوة انتصار يستبدل زمن الهزيمة. إنها اللوحة.. خلاص لمن يلج عوالمها ويلتمس إيقاعها. إنها اللوحة.. كائن تزعم اكتمال هيئته، على حين الغد يحمل قلق اللا يقين. إنها اللوحة.. إمتاع للبصر والروح، وطريقة لفهم الحياة، وجعلها محتملة. إنها اللوحة.. فسحة للعقل، وشكل للتواصل مع الآخر».
انطلاقاً من هذه الجمل المعبرة بدأ الفنان التشكيلي نبيل السمان حديثه معنا، شارحاً بعدها بأن تجربته الحاضرة قريبة جداً من التعبيرية «بخصوص ما قدمته في المعرض من أعمال، أرى نفسي أنني اقتربت من الحالة التعبيرية أكثر من موضوع الأسطورة التاريخية، الأخيرة التي كنت أنسج من خلالها خيالاتي بأعمالي، على حين التعبيرية المقصودة هنا أقصدها بمعنى الزمن المعيش وبمعنى الزمن الحاضر والمستقبل، إنه الزمن الذي حتما نحن شهوده، حيث لا يحق لنا أن نكون شهود زور. حتى في الماضي عندما كنت أعمل على الأسطورة لم يكن غرضي التوثيق فقط، بل الغاية منها هي من أجل ربط الماضي بالحاضر وبالمستقبل، فنحن نتجدد بعد موت مؤقت، لنحيا عدة حيوات ونسجل انطباعاً.. ونرحل».
وتابع الفنان التشكيلي بأنه لطالما انطلق من الأسطورة لكون رموزها الآثارية هي حضارتنا وهويتنا التي علينا بكل قوة أن نحافظ عليها لكونها تشكل هويتنا «لقد أصبح معروفاً بأن ما تتعرض له الهوية السورية من هجمات لطمسها عبر تخريب الآثار التاريخية، والمفارقة العجيبة أن تأتي حضارة لتدمر حضارة أخرى، حروب لم تتوقف لقتل الحق والخير والجمال، في بلادي تمّ تحطيم الآثار وسرقتها، وهي جريمة بحق الإنسانية. هذا عدا عولمة الرعب ومحو الهويات، لنصبح قطعاناً تحمل أرقاماً، نفقد أرواحنا، بكم من الميديا البصرية، حيث احتمال المشاهد المرعبة، وعيون الأطفال اتسعت من هول ما يحصل».
وعن تجربته الحاضرة لفت السمان إلى أنه لا يقدر ما قدمه من لوحات بل هو منتظر رأي الزوار وتقييمهم، لأنه يعتبر المعرض حالة تشاركية بينه وبينهم: «المقاربة التي أقدمها من خلال المعرض هي أكثر أنسنة وأقرب للنفس البشرية، سواء من حيث التكوين أم الألوان المختارة، وأنا أجد أن المعرض هو نتاج مختبر لوني، كما أنني أنتظر حضور المشاهدين والزوار، فالمعرض بالنهاية هو حالة تشاركية بيني وبين الآخر وليس لمجرد العرض، فالأخير ليس هو هدف بحد ذاته، بل من خلاله يتحقق زمن البوح، هذا عدا أنه نشاط يؤكد استعادة ثقافة الفن التشكيلي روحها بعدما ما مرّ على سورية من كوارث على صعيد إنساني وعلى صعيد الأفراد، فهناك كم هائل من الحزن، واليوم علينا أن نتمسك بالثقافة التي هي تنوير وهي عكس الظلامية التي كانت مخططة ومحضّرة لسورية، وأتصور أنني والفنانين والمثقفين نقف بمواجهة الظروف، وعلينا الاتحاد مع الزمن كي نقاوم على الرغم من كل التعب السوري، انطلاقاً من قول محمود درويش (نحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلاً)».
وعن مشهد الحركة التشكيلية السورية أشار فناننا إلى أن التأثير على الشباب بالفن التشكيلي أثره بعد الحرب يحتاج إلى مسافة من الزمن، بمعنى «يحتاج الفن التشكيلي السوري إلى وقت أكبر لالتقاط النفس من أجل التحقق من التداعيات الواقعة على الشباب بآثارها، فأنا لا أؤمن بأن الفن مباشر أي إنه مرآة حاضرة وقادرة على عكس ما يتعرض له المرء، هذا الأمر حقيقي ومباشر في العمل الصحفي وبفن الكاريكاتير للرسم، أما للسينما مثلاً، فلا يتم الحديث عن الأزمات والحروب إلا بعد مضي الوقت الطويل الذي من خلاله تتوضح الرؤية».
وفي ختام حديثه عبر الفنان نبيل السمان عن تفاؤله بالمستقبل وبالزمن الآتي بقوله: «صحيح أن الحروب لا تولّد إلا المآسي، إلا أن الصبر والتحمّل اللذين يتمتع بهما السوريون بجميع أطيافهم، ومستوياتهم، هذا الصبر سواء على المنتج الثقافي أم منتج الحياة، يؤكد أننا أمة جديرة بالحياة وبالفرح وليس فقط بالحزن».

صمود الأمل وحب السلام
من جانبها حضرت افتتاح المعرض الدكتورة بثينة شعبان، وبعد تأملها الدقيق للّوحات صرحت لنا معبرة عن إعجابها بغنى المعرض بأعمال تُنسب لفنان لم ينقطع عطاؤه عبر سني الأزمة السورية المؤرّقة والموجعة، حيث تقول: «في الحقيقة وجدت المعرض جميلاً جداً وغنياً جداً، وبعد اطلاعي على اللوحات وجدت أن الفنان التشكيلي نبيل السمان منذ عام2011 لم يتوقف عن الإنتاج، واليوم الفن التشكيلي السوري وقف بوجه الحرب الإرهابية، وصمد ونشر الحب والجمال والرغبة في السلام حتى في عزّ الاستهداف لسورية، هذا هو جزء جميل من صمود الشعب السوري وأنا أتمنى أن تتم دراسة هذه الظاهرة الفنية التشكيلية في سورية بدورها في هذا الصمود، وخاصة أننا نشهد نشاط الحركة الثقافية التشكيلية السورية غير المنقطع عبر معارض لا متناهية، كلّها تؤكد الصمود والإيمان العميق بالحضارة وبالأرض وبالأمل، وبالثقة بأن سورية باقية وأنّ كل من يستهدفها هم المندحرون».

مثيولوجيا بطريقة معاصرة
على حين اعتبر الفنان التشكيلي أحمد أبو زينة أن الفنان نبيل السمان ينجح دائماً في إدخال الأساطير بحياتنا المعاصرة على الرغم من البعد الزمني الساحق بين الاثنتين، مضيفاً: «ينجح فناننا دائماً بأن يقدّم لنا أعمالاً لافتة للنظر من خلال طرحه لهذه الأمور، والتشكيل السوري بحاجة لهذا التميّز الذي يعيد الهوية الحضارية لنا، وأنا سعيد جداً برؤية المعرض. أما للألوان فهو يعطي المعاصرة بأجواء تعبيرية، وهنا لدّي ملاحظة مُحبّة، كنت أتمنى لو كان أسلوبه اللوني أبسط في عمله، إذاً هناك زخم باللون، وطبعاً هو يبذل جهداً كبيراً بأنه يحقق ذاته وبأن يعبّر عمّا هو موجود بداخله، وكل الحاضرين كانوا يتحدثون، هل أصاب الفنان بأعماله أم لا، ولكننا اتفقنا كلّنا بأن جهده مشكور طبعاً على تجربته الغنية بصرياً».

الانتماء الوطني واضح
من جانبه اعتبر الأديب منذر زريق أن المعرض هو استمرار للتجارب السابقة لفناننا لأن ما يقدمه فيه الكثير من التراث والحضارات والأساطير، متابعاً: «بصراحة الانتماء إلى وطننا الحبيب سورية واضح جداً عند الفنان السمان سواء من ناحية المفردات المستخدمة أم من ناحية الألوان التي يوظفها بطريقة تُشعر المشاهد أن اللوحة قديمة وعمرها آلاف السنين، وطبعاً هذه التقنية مقصودة كي تعطي عمق الإحساس، إضافة إلى أن الفن لديه وظيفة جمالية تؤدي غرضاً فكرياً ووطنياً هو مؤمن به، كما أنني لاحظت بأن بعض اللوحات هي تجارب جديدة ولكنها ما زالت منفذة بالخط والأسلوب والامتداد نفسه. وأخيراً أنا أقول: إن العمل إن لم يدهشنا فهو ليس عملاً فنياً، واستطاع فناننا أن يحقق هذه الدهشة وبشكل دائم ومعظم أعماله حققت هذا الشرط».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن