قضايا وآراء

إذاً بماذا نصح أردوغان الرئيس الأسد؟

د. بسام أبو عبد الله : 

لم يتوقف رجب طيب أردوغان عامي 2011- 2012 وما بعد عن اعتلاء منصة التحريض على سورية، وتكرار عبارة دائمة (لقد نصحناه، ولكنه لم يستجب لنصائحنا)، وكان القصد من ذلك أنه أوفد وزير خارجيته آنذاك أحمد داوود أوغلو لينقل النصائح المزعومة، ومن ثم حقان فيدان مدير استخباراته ليفعل الشيء نفسه.
لكن صمود سورية، وشعبها، ورئيسها بدأ يكشف، ويزيل الطلاء الذي كان يُغلف واجهة حزب الإخوان التركي الحاكم المسمى (العدالة والتنمية) وحقيقة المشروع الذي كان يقوده في المنطقة كحصان طروادة أميركي- صهيوني لتفتيت المنطقة، وشعوبها باسم الدين، والإسلام.
ممارسات أردوغان تجاه الشعب التركي، وتصريحات مسؤوليه تكشف أكثر رياء، ونفاق، وادعاءات أردوغان، فإذا كان لا يقبل بنتائج انتخابات 7/6/2015، ولا يريد الشراكة مع أحد، ولا يقبل بفتح ملفات فساد وزرائه، ويضيق على الإعلام التركي، ويلاحق معارضيه، ويدعم إرهاباً يتمثل بـ(داعش، والنصرة، وغيرها من التنظيمات التكفيرية)، ويكذب على شعبه، وقادة العالم.. إذاً بماذا نصح الرئيس الأسد؟
وإذا كان وزير المالية التركي قد أعلن مؤخراً أن تركيا خسرت 350 مليار دولار كاستثمارات مباشرة، وتريليون دولار بشكل غير مباشر نتيجة الإرهاب- كما يتحدث الأتراك عن عمليات منظمة حزب العمال الكردستاني- فماذا عن خسائرها نتيجة تورطها في دعم الإرهاب في سورية، والعراق؟ وماذا عن خسائر الشعب السوري البشرية، والاقتصادية، والثقافية نتيجة دعم نظام أردوغان لإرهاب عابر للحدود؟ وكيف يمكن لعاقل في الكون أن يعتقد أن عدم الاستقرار، ودعم الإرهاب في دول الجوار يمكن أن ينعكس على اقتصاد بلاده خيراً، واستقراراً، ونماء؟
نصائح أردوغان المزعومة للرئيس الأسد تبدو مثل حديث سعود الفيصل سابقاً عن الشرعية، والدستور في سورية، أو حديث عادل الجبير عن شرعية الرئيس الأسد، أو أمير قطر عن الانتخابات!!
يقول الإعلامي التركي (يوسف قانللي) في مقال له في صحيفة (حرييت ديلي نيوز): إن التحضير للانتخابات في الدول الديمقراطية يبدأ بالمهرجانات، والفعاليات وبالحديث عن إنجازات الحكومة، إلا في تركيا التي يبدأ تحضير الانتخابات فيها بحملة أمنية على مجموعات اقتصادية، ووسائل الإعلام، وبكمّ الأفواه، فعن أي ديمقراطية، وانتخابات يتم الحديث؟
حديث (قانللي) هو عن قيام الشرطة التركية باقتحام مكاتب المجموعة الاقتصادية (كوزا) في أنقرة تحت حجة أن المجموعة تساعد الإرهاب، وهذه المجموعة لها نشاطات صناعية، ومالية (مناجم الذهب البنوك، الإعلام)، ويتهم صاحبها (آكين آي بيك) بالصلة بجماعة فتح الله غولين الذي كان حليفاً وثيقاً لأردوغان ثم تحول لعدوه اللدود، ومن الجدير ذكره أن هذه المجموعة تمتلك عدة وسائل إعلامية تنتقد نظام أردوغان ومنها (صحيفة بوغون) ومحطتا تلفزة (تلفزيون بوغون، وقنال تورك)، وقد لا يتوقف الأمر على هذه المجموعات، وإنما قد يشمل مجموعات اقتصادية أخرى، ووسائل إعلام معارضة بهدف التحضير للانتخابات على طريقة (الإخوان المسلمين) في كل مكان.
أحد مستشاري عبد الله غل والرئيس السابق، وهو (دورموش يلماظ)- وكان قد شغل موقع حاكم مصرف تركيا المركزي، اعتبر أن مصادرة ممتلكات مؤسسة استثمارية ضخمة قبل قمة العشرين المزمع عقدها في أنطاليا ما بين 15-16 تشرين الثاني 2015 سيضع تركيا أمام خطر محدق.
لا يهم أردوغان كل ذلك، بل إن ما يهمه هو استمرار بقائه، وبقاء حزبه في السلطة، حتى لو دفع الأتراك دماء أبنائهم ثمناً لذلك، وحتى لو دُمرت سورية، والعراق، وهيمنت داعش- لأنه أمير داعش الحقيقي… لكن اللعبة انتهت، والكذب باسم الإسلام تارة، والديمقراطية تارة أخرى سقط، ومشروع الإخوان تهاوى في أكثر من مكان، وليس أمام أردوغان إلا التعلق بقشة قبل سقوط الأخير.
كثيرون لا يفهمون ما المقصود بـ(سقوط أردوغان)، ويقولون إن الرجل لا يزال لديه قاعدة شعبية، لكن هذا الكلام ليس دقيقاً، فأردوغان سقط بمعنى (النموذج الذي قُدم للمنطقة من قبل الأميركان) أي الإسلامي- المعتدل- الديمقراطي، ليتبين أن لا علاقة له بالإسلام، ولا بالاعتدال، ولا بالديمقراطية، وهذا ما تبين للأتراك قبل غيرهم… والناحية الأخرى أن دمشق التي فتحت الأُبواب لأردوغان، فرفعته إلى مستوى إقليمي، هي نفسها التي ستسقطه، لا بل أسقطته بعد أن كشفته، وعرته ليتحول إلى إخونجي يتمسك بالكرسي، كما هي حال خالد مشعل وإخوانه في غزة الذين باعوا فلسطين، وقسموها، وحولوها إلى قطعة جبنة في بازار النفط، والغاز.
يحاول أردوغان الآن إنقاذ نفسه بأي طريقة، فلقد تآمر مع غولين ضد الجيش التركي في محاكمات (أرغينيكون)، وعاد وأطلق سراح العسكر ليكسب ودهم في معركته ضد (غولين) حليفه السابق، وأطاح بكل رفاقه في الحزب بمن فيهم (عبد الله غُل) و(بولنت ارنيتش)، وكُثر آخرون كي تخلو الساحة له سلطاناً تركياً- عثمانياً يعيش غيبوبة سياسية، ويمارس جنون العظمة، وهو الوصف الدقيق الذي أطلقه الرئيس بشار الأسد على حالة أردوغان.
إذا وضعنا كل هذا في الميزان، وأخذنا ممارسات أردوغان ضد شعبه وأحزاب بلاده، ورفاقه، وإعلام بلاده، وجيش بلاده، أفليس من حقنا أن نسأل: عن أي نصائح كان يتحدث أردوغان، وداوود أوغلو للرئيس بشار الأسد؟
الواضح أنها نصيحة واحدة تتمثل في تعيين عملاء شبكة الإخوان المسلمين السوريين في الحكومة السورية، ليكونوا حصان طروادة الهادف لتدمير النظام الوطني السوري من الداخل، وهو ما رفضه الرئيس الأسد بشكل قاطع لأنه يدرك، ويعرف أن المشروع الإخواني في المنطقة هو مشروع صهيوني، يهدف لإراحة إسرائيل، وضرب محور المقاومة وخلق بيئة تدميرية لشعوب ومجتمعات المنطقة من خلال اللغة المذهبية- والطائفية، و«ثقافة» النفاق، والدجل باسم الإسلام التي لا يتقنون لغة أ، «ثقافة» غيرها.
لقد سقط القناع عن القناع كما قال الراحل محمود درويش، ولم يبق أمامنا سوى البصاق على الوجوه الحقيقية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن