قضايا وآراء

وسائل التواصل – وليس التنافر الاجتماعي

| د. بسام أبو عبد الله

عالم وسائل التواصل الاجتماعي هو عالم افتراضي فرض نفسه بقوة مع تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في كل أنحاء العالم، وبات التعاطي معه واستخدامه أساساً في عالم اليوم بالنسبة للدول، والمجتمعات والأفراد، وما من شك أنه أداة تكنولوجية جذابة، وفتحت الآفاق بين الناس والمجتمعات والدول لتزيد المعرفة وآفاق الاطلاع لمن يبحث عنها، ولكنها من ناحية أخرى تحولت لأداة خطرة للعب على مزاج الرأي العام وتأجيجه، وتحويله في هذا الاتجاه أو ذاك وفقاً لما يخدم سياسة الخصوم والأعداء حسب الحالة والشريحة المستهدفة والأهداف الموضوعة.
ومن هنا فإن الكثير من دول العالم بدأت تُشكل جيوشاً إلكترونية لاستخدامها في حالتي الدفاع والهجوم أسوة بالجيوش العسكرية، كما لجأت دول عديدة لتأسيس إدارات متخصصة بالأمن السيبراني لحماية مجتمعاتها لأنه بالقدر الذي تعطي هذه الوسائل بكل أنواعها: فيسبوك، واتس آب، إنستغرام، سناب شات، وغيرها، إمكانات للتواصل مع العالم الخارجي وطرح الأفكار وتبادلها، وممارسة أنشطة مختلفة تدفع للتقريب بين الناس والتواصل، إضافة إلى عرض المشاريع والإبداعات التي تدفع بالمجتمعات نحو النمو والازدهار، فإن هناك سلبيات عديدة في هذا العالم الافتراضي منها عدم وجود الرقابة، وانعدام المسؤولية لدى البعض من المستخدمين، وانتشار الإشاعات والمبالغة في نقل الأمور، وعدم تبادل الاحترام في بعض النقاشات، وتقبل آراء الغير، إضافة إلى إهدار الوقت وعدم استغلاله في أمور مفيدة، وانعزال البعض عن أسرهم والمجتمع المحيط بهم، وأخيراً عدم احترام خصوصية الغير.
كي لا يفهم البعض ما أكتب عنه أنه دعوة لشيء سلبي ضد وسائل التواصل الاجتماعي، سأنقل إليكم ما قاله وزير الصحة البريطاني مات هانكوك ونشره موقع «بي بي سي» يوم 27 كانون الثاني الجاري: «إن هناك إمكانية لإغلاق وحظر شركات التواصل الاجتماعي في بريطانيا خوفاً على الصحة النفسية للمواطنين، إذا فشلت في إزالة المحتوى الضار الذي يُنشر على مواقعها»، ودعا لإصدار تشريع بذلك على الرغم من تأكيد قوله: «لا أرغب في الوصول إلى هذه النتيجة في النهاية»، وكلام الوزير البريطاني جاء على خلفية انتحار فتاة مراهقة عام 2017 بعد مشاهدة محتوى عن الانتحار انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
وزير الصحة البريطاني اعترف أن «الكثير من الآباء يشعرون بالضعف في مواجهة التواصل الاجتماعي» لكننا: «كحكومة لسنا ضعفاء، فالحكومة وشركات التواصل الاجتماعي يجب أن تقوم بواجبها، ونريد جعل بريطانيا مكاناً آمناً لاستخدام الإنترنت لكل شخص».
إذا أضفنا لهذا الكلام خبراً آخر يتعلق بتخصيص شركة فيسبوك 7500 موظف فقط لمراجعة الفيديوهات التي تدعو للقتل والكراهية وإزالتها حسب زعمهم يتبين لنا حجم الكارثة إذا لم نحسن، ونضبط موضوع التعاطي السلبي مع وسائل التواصل الاجتماعي، وهي قضية اجتماعية وسياسية واقتصادية، وإن شئتم فهي جزء من الأمن القومي للدول.
منظمة الأمم المتحدة بدأت تناقش مشروعاً روسياً يتعلق بالأمن السيبراني للدول، لأن هذا الموضوع أصبح ذا حساسية عالية بالنسبة للكثير من الدول والمجتمعات، ومن ثم فإن الانفلات في هذا المجال خطر على الجميع.
في الحالة السورية مثلاً فتحت وسائل التواصل الاجتماعي آفاقاً إيجابية سهلة أمام التعبير عن الرأي، وحرية التواصل والانتقاد للظواهر السلبية، وتحول هذا العالم الافتراضي إلى أداة ضاغطة على الحكومة والمجتمع والأسرة والأفراد بالاتجاهين الإيجابي والسلبي، كما ضم كحال المجتمع النماذج الراقية المسؤولة التي تقدم قيمة مضافة بما تكتب أو تعرض، وكذلك النماذج الساقطة واللا مسؤولة والانتهازية والباحثين عن الشهرة، والنجومية، وبالتالي فإن دور الحكومة بعد إصدار قانون الجرائم الإلكترونية فرض عقوبات مالية عالية لمن يسيء للآخرين أو يشتم من دون مسؤولية، والعقوبة المالية كما ثبت هي الأنجع والأقوى، والمطبقة في أغلب دول العالم، لأنها رادعة، وتعلم بعض المستهترين وغير المسؤولين عما يكتبون أن هناك ضوابط لأي حرية في العالم، وأن العالم الافتراضي لا يمنحك الحق في بث الفتن والإشاعات والأكاذيب أو استهداف الناس، وتوجيه الاتهامات لها برعونة ومن دون أدنى شعور بالمسؤولية.
لقد كنا نقول دائماً إن النقد يجب أن يتمتع بصفتين أساسيتين هما «العلمية والموضوعية»، ولكن للأسف فإن البعض فهم النقد والحرية على أنه سباب وشتم واستهتار بكل قيم الاحترام للآخر، لا بل فإن البعض وصل إلى حد الاستهتار بكل من يخالفه الرأي بدلاً من أن يناقش بطريقة راقية محترمة مهذبة، وهو ما يجب أن توضع ضوابط له قبل أن يعتقد بعض المستهترين والانتهازيين أنهم قادة رأي عام، وأنه لا عمل لديهم سوى الجلوس خلف أجهزة الكمبيوتر، والتنظير على الجميع من دون أن نلمس لهم أي موقف رجولي واضح وشفاف تجاه الحرب العدوانية على بلدهم وشعبهم، فاختلطت الأمور لديهم، وبدلاً من أن يوجهوا سهام آرائهم على أولئك الذين يحاصرون بلدهم وشعبهم، وينتقدون برقي وأخلاق عالية، وإيجابية الظواهر السلبية وهي كثيرة لدينا، تحولوا مثل مطلقي النار بعشوائية ليصيبوا كثيرين من أبناء بلدهم بقصد أو عن غير قصد.
إن الكلمة أيها السادة مسؤولية، والنقد حق وواجب تجاه أي كان، لكن أحداً في العالم لا يمتلك الحق بإهانة أحد آخر تحت عنوان «الحرية» الذي استخدم في بداية الحرب علينا من قبل الغوغاء الذين دمروا الأخضر واليابس، وما أدعو إليه هو أنه من حقك يا أخي أن تكتب ما تشاء، وأن تنتقد من تشاء، وأن تنظر لأي شيء، ولكن ليس من حقك أبداً أن تشتم أحداً أو تسخر من أحد، أو تستخدم كلاماً بذيئاً للتعبير عن مشاعرك، لأنه يجب أن يكون كلامك مسؤولاً ومحترماً، ويليق بك، فالدعوة هي لإخراج بعض المفردات والأساليب الوضيعة والغايات الشخصية الانتهازية من وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تتحول إلى وسائل للتنافر الاجتماعي، وهي دعوة لكل سوري، وفي الوقت نفسه دعوة للحكومة والجهات المختصة لوضع عقوبات «مالية» لردع المستهترين أسوة بكل دول العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن