ثقافة وفن

مسؤولون قبل وبعد (1)

| إسماعيل مروة

ليس شرطاً أن تعرف مسؤولاً معرفة شخصية، ولا أن تربطك به علاقة قربى دموية أو جغرافية، التلفزيون والصحافة وحدهما كافيان لإعطائك الصورة التي تحتاجها عن هذا المسؤول أو ذاك! ولكن إن ربطتك به علاقة ومعرفة من أي نوع قبل وأثناء ستكون الصورة أكثر جمالية، وأكثر إيلاماً ومفارقة!
فهذا المسؤول قبل أن يصبح مسؤولاً كثير الانتقاد، وكثير المتطلبات، ولا يتوقف عن النقد الذي يظهره بصورته الحقيقية المستنصبة، ويتبرع بإعطاء الوعود من دون أن يطلب منه! وقد يضع نفسه مكان أي مسؤول، ويقدم الحلول المفيدة والجيدة، وبعيدة المنال، وإن كانت ممكنة التحقيق، وفجأة يصبح هذا المسؤول مسؤولاً، وتراه في وسائل الإعلام يتحدث عن الخبز والغاز، وعن الرواتب والتضخم، وما كان يطالب به من قبل لم يعد يطالب به بالرواتب، ولا بالحاجات، ويصبح خبيراً في تحديد تكاليف ربطة الخبز وجرة الغاز وليتر المازوت، والآخر يحدثك عن التضخم وزيادة الأسعار، ويعد بتخفيض الأسعار وهي ليست بيده، وإن كانت بيده فالطامة أكبر، لأن السؤال الأهم: لمَ سمح للأسعار بأن تبلغ هذه الزيادة ليعمل على تخفيضها؟! المهم أنه ما من زيادة على الرواتب، وعلى المواطن أن يتدبر أمره، وأن يعالج حياته بمرتب لا يصل إلى مئة دولار، وكل ما يتم استهلاكه بعلم السيد المسؤول محسوب على الدولار.. ويجلس هذا المسؤول ليدافع عن سياسات الحكومة، وأطرف ما سمعته من أحدهم على الفضائية السورية منذ أيام عندما سألته المذيعة: كيف سيشعر المواطن بتحسن حياته اليومية؟!
جلس باعتدال، ونفخ نفخة فيها من الفخر الكثير، وقال: أولاً عليه أن يفخر بانتمائه السوري!! وهذا يذكرنا بأقوال السادة المشايخ: احمدوا الله في السراء والضراء، وهو يرفل بحلل قشيبة، ولا يدخل أو يخرج من دون تقبيل الأيادي. السيد المسؤول يعلمنا الانتماء، وهذا غمز خبيث، وكأنه يقول: إن كل من لا يشكر انتماءه وقبوله هو خائن لهذا الانتماء الوطني!!
وإن ربطتك بهذا المسؤول علاقة من أي نوع، فإنه يقول لك وهذا ليس سراً، فالجميع يعرفونه وسمعوه: والله ليس بيدنا شيء، ويلصق كل الأمور بالتوجيهات والتوجهات، وهو ينفذ ما يطلب منه فقط، فأين كفاءته ومعرفته ومعالجاته؟!
المسؤول يحيرنا بإجاباته، ولم يجب أي واحد منهم عن الطريقة التي يعالج بها حياته، ولم يخبرنا عن أزمة من الأزمات وكيفية تدبر أمره فيها!
يرى الأمور عال العال، وإن سئل، فإنه سيقول: كل شيء تمام والانتماء هو أهم ما يمكن أن يخرج به المواطن!
إن مشكلة المواطن هي معك أيها السيد المسؤول، فعد إلى ما وعدته، لأنه بعد أيام ستخرج من مكانك، وحتى ذلك الوقت أن تجهز كلاماً آخر سمعته من سابقك، سأخبرك به في زاوية أخرى.
المشكلة الحقيقية في الجلوس في أبراج مصلحية لم تعد تشعر بما كان يشعر به السيد المسؤول قبل أن يصبح، وقد لا يشعر بذلك فيما بعد عندما يخرج، وخاصة إذا كان ممن أمّنوا أنفسهم بشركات وعقود وجامعات خاصة! ألم تسمعوا برؤساء الجامعات والمسؤولين الذين صاروا رؤساء جامعات خاصة، ومديري شركات؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن