ثقافة وفن

شارع الرشيد في بغداد أيقونة العصر العباسي

| د. رحيم هادي الشمخي

من أقدم وأشهر شوارع بغداد التراثية والحضارية، زاره الكثير من الرحالة العرب فأعجبتهم مكتباته الوافرة بالعلم والأدب، وأمّه سلاطين العالم لمشاهدة بنيته البغدادية التي عجّت بالزخرفة والريازة المعمارية العربية والإسلامية، فكان على جنبيه الأيمن والأيسر مساكن للجواري القادمات من سمرقند والهند وبخارى، والفرق الموسيقية والمغنون القادمون من الصين والحبشة والقوقاز، وفي مقدمته التي تقع على نهر دجلة تقع بيوت الوزراء ورجال دولة بني العباس، وبجانبه تقع المدرسة المستنصرية وهي دار للعلم والمعرفة، و(دار الحكمة) التي يدرس فيها طلاب العلم والمعرفة القادمون من كل بقاع العالم.

كان الخليفة هارون الرشيد له اليد الكبرى في تشييد هذا الشارع ومن بعده كان ابنه الخليفة المأمون الذي رسم أبجدية الثقافة العربية في بغداد.
شارع الرشيد الذي هو اليوم شريان بغداد الأدبي والثقافي هو اليوم يختصر تاريخ مدينة السلام التي كانت ومازالت أم الدنيا، تمتد منه الجسور التي تربط بين جانبي مدينة بغداد (الكرخ) و(الرصافة)، والرشيد هو شارع يكتظ بكل رموز التراث العربي لمدينة بغداد سواء كان على نطاق المهن والمعارض وأماكن اللهو الليلية أم المنتديات الأدبية والثقافية، إلى جانب ذلك شق شارع الرشيد طريقه بين أهم الأماكن التراثية وأقدم الجوامع والكنائس والمباني الحكومية، كجامع مرجان وجامع الحيدر خانه الذي كانت تنطلق منه الخطب الوطنية والحماسية، وجامع المرادية الذي يقع في الميدان، وطوب أبي خزامة الذي كانت تعلق فيه خرق النذور ومقر المدرسة المستنصرية وخان مرجان على جهة اليمين، وخان علي صائب الخضيري على الجهة اليسرى، ثم تليها (دربونة) النملة، وتتصل بشارع المستنصر بالله الذي يسميه العامة شارع النهر الذي يضم أشهر محال الصاغة، وتتفرع منه أشهر أسواق القماش والأكسسوارات وأقمشة الستائر، وبقية أسواق الرشيد التي تعد بالمئات، كسوق الشورجه وشارع المتنبي وسوق الصقارين وأسواق الساعاتية والبزازين والخفافين وباعة الزجاج والمرايا والعدد المنزلية والصيدليات ومحال الخضر والتجليد، فضلاً عن كل ذلك توجد في شارع الرشيد أقدم الكنائس، ككنيسة الكلدان (أم الأحزان) وكنيسة اللاتين قرب سوق الشورجة وكنيسة مريم العذراء في ساحة الميدان.
ومن الأحداث الفنية الكبرى التي شهدها هذا الشارع البغدادي العريق حضور سيدة الغناء العربي أم كلثوم إلى بغداد والغناء في ملهى الهلال في منطقة الميدان، كما حضر الفنان محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ، ونعيمة عاكف، وليلى مراد، وفريد الأطرش وفهد بلان وأسمهان وسيد درويش.
وما تجدر الإشارة إليه أن الكاتب (نجيب محفوظ) قد زار هذا الشارع وتغنى به، إضافة إلى عدد كبير من الشعراء والأدباء العرب والأجانب، وكما قال الشاعر (علي بن الجهم) وهو شاعر عباسي.
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
أما الشاعر الكبير (أبو نواس) فكان يقف على دكة عالية ليلقي أشعاره في هذا الشارع التراثي والحضاري، وكان الخليفة العباسي هارون الرشيد يحضر وبرفقته (أبو نواس)، ففي هذا الشارع يزور ساكنيه ويطلع على أحوالهم، وما يسمعه ويرتاح إليه تلك التداعيات التي يرددها (أبو نواس) أمام الخليفة ذماً أو مدحاً أو سخرية، وكان اللـه مع بغداد في حالها وأحوالها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن