ثقافة وفن

الموت للصحراء… زاهر العجلاني في مجموعته العربية الأولى يستحضر شمس العجلاني

| إسماعيل مروة

مع اكتمال العام، وبعد ارتجاف يديه وهو يتقبل العزاء بوالده شمس الدين العجلاني، ها هو القاص الأديب زاهر العجلاني يقدم مجموعته القصصية الأولى باللغة العربية (الموت للصحراء – وقصص أخرى) وكان قد قدّم شعراً وكتابات باللغة الإنجليزية، وهذه هي التجربة الأولى بالعربية مباشرة، وليست ترجمة، وفيها يثبت زاهر انتماءه إلى لغته العربية، فقد أجادها وكتبها وفكرّ بها، وربما امتلأت عروق انتمائه وهو يقف قامة من شمس الدين العجلاني، فأراد أن يقدم زهرة لروح والده، وها هي المجموعة تصدر عن دار نشر عالمية في الذكرى السنوية لوفاة الصديق الكاتب شمس الدين العجلاني، ويقف الأديب الابن عن بعد ليتحدث إلى والده، ويهديه ثمرة لوعته من الحرب التي اقتلعت من قبل أخاه الشهيد ثائر العجلاني، فأبقته مع الذكرى المؤلمة بما تحمل، الجميلة بأشخاصها:

إليك يا حفيد من استشهد وهو ظمئ، ما من شيء سيروي عطشي من بعدك.
إليك يا أيتها الشمس التي لا تغيب.
إليك يا من علمني حب المرأة والوطن.
إليك يا أبا ثائر أهدي هذا العمل.
وفي غمرة احتفائه بالوالد الراحل، لم ينس ما علمه إياه الوالد من حب للمرأة فوقف ليشكر المرأة التي علمه شمس أن يحبها ويقدرها، فخص الأم والأخت والزوجة: هدى، هيا، يوجينيا…
وإلى سورية الوطن الذي أحب يقدم زاهر العجلاني نصوصه في الموت للصحراء، فماذا يقول:
(حينما تربح لا بد من أن تخسر يوماً ما)، عبارة البداية في مجموعة القاص زاهر شمس الدين العجلاني، أما عبارة الخاتمة فهي (لا يمكن أن نكون كلانا حرّين)… وما بين عبارتين توجزان حياة زاخرة بالألم والوجع يتنقل الصديق القاص في (الأحياء يعيشون في جهنم) ليقدم قصصه الطويلة نوعاً ما، ذات النفس الروائي، وذات الأسلوب التسجيلي التوثيقي أحياناً.
وقد ضمت المجموعة قصص: (الحارس كسّار، الموت للصحراء، في عداد الموتى، الأحياء يعيشون في جهنم) وقد أجاد القاصّ باختيار عنوان المجموعة للقصة الأخيرة، وهي التي تتميز بقراءة نفسية واجتماعية عميقة ومهمة، استقاها من دراساته المعمقة في هذا الميدان.
القاص مبدع ويملك قدرات وطاقات مهمة، وقد خبرته قبل عشر سنوات، حين قرأت له نصوصاً وجدانية إبداعية، ولكنني أقف اليوم أمام قاص مبدع لا يحتاج إلى تقديم، فالنص عنده يقدم نفسه، ولا يحتاج إلى تقريظ، فما كتبه يعطيك المزيد من المتعة والألم.
استطاعت الحرب على سورية أن تخرج القاص الفنان من صديقي الجميل زاهر العجلاني، ليصور عالم الجنون والمصحّة العقلية عالماً صغيراً لما يحدث في سورية، من دون أن يعتمد المباشرة ومسمياتها التي قد تبعد القارئ عن النص.
وربما اندفع زاهر إلى هذه الطريقة السردية بسبب إقامته في اليونان، وربما أنه يكتب بالإنجليزية عادة، وهذا أول كتبه العربية، ما جعل أثر الخطاب واللغة والقص واضحاً، لا تخرج المجموعة عن الحرب في سورية، سواء في المصحة أم في الصحراء، أو رحلة الموت واجتياز مخاطر البحر، والهروب من جحيم الموت، وكم هي مؤثرة صورة الصديق الذي أبى أن يغادر معه، ليكون خبر استشهاده وموته، أول خبر يسمعه بعد هربه…! وكم هو عالٍ ذاك الإحساس الذي انتاب الناجي من القتل عندما علم باستشهاد صديقه!
إن كان القاص قد أنهى قصته بحياة طبيعية لشخصيته الفارّة وبتكوين أسرة وحياة، فِإنه أبقاه بصبغة الإنسانية من خلال إحساسه بالصديق والوطن.
لن أتحدث عن نصوص تتحدث عن نفسها ببلاغة مدهشة وأسلوب غاية في السلاسة والرشاقة، فكسّار وحده قضية، والجنون حالة من حياة، والصحراء مدى من الضياع، والموت حالة من رصد لخطوات حياتنا.
ويتجمع الفقد كلّه في (الأحياء يعيشون في جهنم) من أب افتقر إلى حياة عبثية، إلى صمت، إلى قراءة قد تفعل أمراً ما، إلى حريق كارثي وصمت هما طرفا الحياة.
لم أضع في حسباني صورة للنصوص عندما أرسلها القاص زاهر شمس الدين العجلاني، لكنني أزعم أنني قارئ متذوق، وهذه المجموعة جعلتني أقف طويلاً أمامها لقراءتها، بل للاستفادة من كثير فيها.
أسجل لصديقي زاهر أسلوبه الرشيق المتأثر بلغات أخرى، وحريته الكتابية، ولغته العربية السلسة والسليمة على الرغم من البعد، ما يدل على أنها من تكوينه ودمه، وهذه المجموعة تبشّر بأن السوري، وإن ابتعد عن وطنه، يبقى أسيراً لكل لحظة، فكيف الأمر مع القاص زاهر، الذي أودع الثرى شقيق روحه الشهيد ثائر العجلاني؟ وكذلك انتمى إلى أسرة فكرية مميزة للصديقين المميزين السيدة المهندسة الصابرة هدى الحمصي أم ثائر، التي قدمت حياتها للعمل العام المضني والمجهد، والأستاذ الأديب شمس الدين العجلاني الذي ودّعنا ألماً وغصة وكبرياء، وهو يدافع عن سوريته.
أهمية هذه النصوص أنها تستند إلى كاتب ومخيلة وأسلوب وموضوع، وستكون فاتحة لكاتب من النوع المميز والمجتهد والمؤثر.
تحية لقلمك أيها القاص الصديق، وذلك القلم الذي أفرحني وأدهشني بتفوقه، ومن خلالك تحية لأشخاص محبيك وأرواحهم، عسى أن يعيش الأحياء بوجوههم غير الشوهاء، وبعيداً عن فكر جنوني في مصحّة هي الوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن