ثقافة وفن

السيد وزير الثقافة الثقافة سبب ما يجري في سورية!

إسماعيل مروة : 

أرجو ألا يستغرب أحدهم هذا العنوان، لأنني وضعته عن قناعة، وكتبت فيه مرات، فالثقافة هي السبب الرئيسي فيما يجري في سورية اليوم، ويحضرني قول لألبرت أنشتاين بعيد الحربين يقول «الثقافة والإعلام وراء الدمار الذي يجري» ولي وقفة مطولة مع أنشتاين وآرائه لاحقاً، وأعود للحديث عن أن الثقافة والإعلام هما سبب ما يجري، وهما سبب استمرار الدمار، فأنا أتبع الذين يرون أن الأزمة أزمة ثقافة، فالعنف ثقافة، والإعلام ناشر للعنف، وعندما تتنازل الثقافة عن دورها يصبح الميدان واسعاً للعنف والتطرف، ولا يستطيع أحد أن ينكر أن الجهات المعنية بالثقافة تنازلت عن دورها منذ أمد بعيد، فالثقافة ليست كتاباً يطبع، وليست مجلة تصدر وقد لا يقرؤها أحد، وليست مكاتب تفتح، ولا مراكز ثقافية منتشرة في الأصقاع يرحل إليها محاضر بأوراق قديمة مكرورة، ليقرأ على نفر لا يتجاوز أصابع اليدين في أحسن الأحوال، ويتقاضى مكافأة هزيلة من هذا المركز أو ذاك… الثقافة سيرة حياة وسلوك، وعلينا أن نعترف جميعاً أننا أخفقنا في جعل الثقافة الراقية التي تبني المجتمع على الحقيقة السائدة، وركضنا خلف ثقافة بروتوكولية، الغاية منها التصوير والظهور فحسب! وأنا على استعداد لمناقشة الأمر بشكل موسع، وفي الأزمة تعاقب عدد من السادة الأجلاء على وزارة الثقافة، ولم نرَ أي تغيّر في مسار السياسة الثقافية، وكنت أتمنى أن أقرأ برنامجاً معلناً للعمل الثقافي، وخاصة أن الثقافة فعل غير سري، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث وبقي الفعل الثقافي، وكذلك الإعلامي مقتصراً على محاضرات غير نوعية هنا أوهناك… ويضاف إلى ذلك جميع الفعاليات الثقافية كاتحاد الكتاب العرب، وقد يتحدث أحدهم عن الأزمة وأنها السبب، وأنه من الصعب إقامة فعاليات ثقافية وإعلامية كبرى، وهذا الكلام يقبل، لكن الذي لا يقبل أن يرضى أحدهم عن نفسه وعمله، وأن يرى أنه أحضر الذئب من ذيله، وأنه أنجز ما يعجز الآخرون عن إنجازه!! والأكثر مرارة ألا يقبل أحدهم النقد مهما كان لطيفاً وحقيقياً، وهذا النقد على لطفه اقترب من ألوهته وربوبيته، ودخل في خانة التخوين… وقد بدأت بالحديث عن أن الثقافة سبب الأزمة مع الإعلام، لأنني وقفت أمام كارثة لم أكن لأتخيلها على مستوى النخبة الثقافية، فإذا كان الأمر كذلك لدى النخبة، فما عساه يكون عند من يفترض أن تخاطبهم هذه النخب؟!
أشرت في مقالات وزوايا سابقة إلى مشكلات في ميادين الثقافة والإعلام، وضربت لذلك الأمثلة التي لا ينكرها أحد، ومع ذلك رأيت الحَرَدَ من الأصدقاء، فعندما تحدثت عن الإشراف في البرامج التلفزيونية ساء كلامي أصدقائي، مع أنني أفترض أن يقوم أحدهم بعلاج الأمر وشكر الصحيفة على تصويب خطأ ما… وبالأمس يقول لي أحدهم: الأستاذ زعلان، حاكيه، راضيه! هل تحول الأمر إلى هذا المستوى الكارثي، فإن كنت على خطأ أعتذر، وإن كان على خطأ يصوب، ولكن أن يتحول الأمر إلى مراضاة بين هذا وذاك فهذا مستوى ممجوج ومرفوض، وإن كان فلان صديق فلان فهل يمنعه من انتقاده؟ وحين كتبت عن مشكلة في الدوريات الثقافية وصفت بأوصاف قاسية شتى، فإما أنني من شلة فلان، أو أنني متهم بوطنيتي… وفي الأسبوع الماضي تناولت كتب المقالات الآنية التي جمعت في وزارة الثقافة، وكان اعتراضي الوحيد هو أنها تطبع على نفقة الدولة، فإن كانت ذات قيمة فسيركض القطاع الخاص لطبعها، وبالطبع لم أكن أقصد الإساءة لأحد، ولكنني قصدت الإشارة إلى ظاهرة مرضية متورمة… وكل الذين عنيتهم هم من النخبة المثقفة، لم يحتمل أحدهم هذه الكلمة التي كانت بمنتهى الرفق واللين والاحترام والتوقير! إذا لم يتسع صدر النخبة لكلمة، فماذا عسانا نقول في صدور العامة الذين سلط عليهم هؤلاء لتثقيفهم وتنويرهم.
كل من التقيتهم من أصدقاء بادروا للسؤال: كيف كتبت هذا؟ استغربت كثيراً فما قلته عادي، ولا يضعني في خانة الجريئين أو الخائنين، ملاحظات عادية وفي ميدان ليس حساساً كما يرون، قوبلت بأوصاف عديدة إيجابية في حضوري طبعاً، وسألني أحدهم كيف تأتي إلى المديرية بعدما كتبت.. وللحق فإن مدير الهيئة كان الأكثر تقبلاً، ولم يأت على ذكر الموضوع مباشرة، وإن كان قد أشعرني بغضبه وعدم رضاه، وحدثني عن النزاهة من محارم المكتب إلى ضيافته، وكأنني لص الثقافة الفار من وجه العدالة… بل إن أحدهم قال: ألم يصدر قرار بمنع دخولك إلى المبنى؟ تملكتني الدهشة، فهل نحن نتعامل مع هيئات أو ملكيات خاصة؟ وإن كان الموظف ينظر بهذه الطريقة فكيف يتعامل مع رؤسائه؟
وأحد الأصدقاء أستاذ جامعي في الهيئة يقول: السيد الوزير يحبك، وإذا قرأ فسيزعل، أولاً ما دخل الحب في النقد، وثانياً إذا قرأ وأنا أعرف أن السيد الوزير يقرأ، وثالثاً الزعل أنا أرى أن السيد الوزير سيكون سعيداً بالإشارة إلى خطأ وقع وليس إلى افتعال أمر ما، أو الحديث عن خطأ مرتقب. من قال لهذا الصديق إن النقد يرمي إلى إزعاج فلان أو إرضاء فلان؟ إن مسألة الإرضاء والإزعاج مسألة شخصية بحتة، وما تناولته وأتناوله بعيد كل البعد عن الشخصنة، وله علاقة بالأداء لا أكثر… والناقد الذي يضع في حسبانه مثل هذه المعادلة لا يؤخذ رأيه ولا يعتد به على الإطلاق، لأنه معروف الغايات والثمن، والأمر ليس كذلك.
من المفترض أن يعقد اجتماع ويناقش الأمر، بسؤال وحيد: هل حدث هذا الأمر أم لا؟ فإن حدث يصدر عن الاجتماع توجيه بعدم تكراره، وإن لم يحدث يدبج رد ينشر في المكان نفسه وبالحجم نفسه حسب قانون الصحافة، والجميع يعرف أنني لم أتجاوز في يوم حدود هذا القانون، مع أن أحد الأساتذة الأجلاء حاول اللجوء إلى القضاء وأخفق لأنني بعيد عن القدح والذم.
إن ما يحدث في سورية هو أزمة ثقافة، فالمسؤولون الثقافيون لا يرون تغطياتنا لأنشطتهم دوماً وبالمقاس الكبير، ولا يرون أخبار دورياتهم، ولا يرون عروض الكتب اللائقة، ولا يقولون إن هذه الصحيفة تبذل جهدها في تغطياتنا، ولكن ملاحظة واحدة تكفي لانقلاب شتوي وصيفي، وتتناثر الكلمات الطائشة الجارحة في كل مكان.
أليست أزمة ثقافة؟
ألم يعجز مسؤولونا الثقافيون عن تثقيف الشارع، وتركوه لثقافة من نوع ما؟
وللحديث بقية في الثقافة والإعلام، فالموجود يتجاوز ما تم الحديث العلمي عنه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن