ثقافة وفن

المسؤول قبل وبعد (2)

| إسماعيل مروة

أما الصورة الثانية للمسؤول الذي كان يتربع على الصدر والمقدرات فهي صورته بعد أن يغادر السلطة، وهو من خلال الحرب على سورية نوعان:
الأول هو الذي غادر، وما أكثر المسؤولين الذين غادروا وكانت مشكلاتنا معهم تحديداً، من وزراء ومديرين، وقيادات!! وهؤلاء إن استمعت إليهم في ذواكرهم السياسية فإننا سنسمع منهم كلاماً مختلفاً، هم الذين يقولون: لم يكن الأمر بيدنا! صرنا نسمعهم يقولون: كنت أعترض وأقول للقيادة، وتستمر بطولته ليصل إلى أنه قال للسيد الرئيس، فهو صاحب موقف ساعة يشاء، ورجل مسلوب القرار ساعة يشاء، والمتمعن في أحاديث هؤلاء يجد التناقض الرهيب في أحاديثهم عن المواطن وحريته وكرامته و لقمته، وما من أحد يسأله عن إجراءاته حين كان في مواقع القرار، وحين كان يمتلك القدرة على الفعل! بل إن بعضهم ينتقد الظواهر الأمنية، في الوقت الذي كان فيه مستنداً إلى الأمن في كل تصرفاته وحكمه حين كان، وأنا أصدقهم لأنهم هم الأدرى بكل مفصل من المفاصل التي يتحدثون فيها.. وأذكر من باب الطرافة والألم أن أحد المحررين في جريدتنا حدثنا أنه كان في مكتب صحفي لأحد الوزراء، ورأى أن هذا الوزير يأتيه شيكات من الخارج، وكلّف قبضها مدير مكتبه، وكان مدير المكتب يسرق الكثير منها..! هذا الوزير، وهذا المحرر كلاهما اليوم في المعارضة الخارجية! وأسأل كم من الشيكات والمرتبات كانت تصل بهذه الطريقة، وقد تكون موجودة إلى الآن؟!
الصنف الثاني من المسؤولين في مرحلة ما بعدهم الذين بقوا في أرض الوطن، سواء قبل الأزمة والحرب على سورية أم بعدها، وهؤلاء يقضي أحدهم سنوات في وزارته أو مديريته، وربما لدورات عديدة، ولا يفعل شيئاً، ولكنه عندما يعفى من منصبه فإنه يتحول إلى خبير لا يشق له غبار، وتنفتح قريحته على الصحافة والكتابة، ويبدأ سيل التنظير عنده بعد صمت زاد على خمسين سنة، فيصبح فاهماً في الاختصاص، ويضع الخطط والتنظيرات لوزارة كان وزيرها ولم يفعل شيئاً، أو لمديرية تسلمها وأفلسها قبل أن يخرج منها..!
لا أريد الوقوف عند الأسماء، ولكنني قرأت لهم، وناقشتهم في كثير مما كتبوا، وكل ما يكتبون هو في إطار الإنشاء والبحث عن الذات، وانتقاص دور من جاء بعدهم، وكأنهم جاؤوا إلى أماكنهم من قبل عن جدارة واستحقاق!
هذا ينظّر في الاقتصاد، وذاك في المال، وثالث في السياحة، ورابع في التعليم، وللحق فإن هذه الكتابات لا تحمل أي محتوى له قيمة، وهو مجرد كتابات، ولكن ليس هناك من يقول له:
– أين كان هذا الفهم والتنظير عندما كنت مسؤولاً؟
وربما لو سئل مثل هذا السؤال لقال:
– لم يكن بيدي أن أفعل.
إذا كان هذا جوابه، فلم لا يكون أمر من جاء بعده هكذا أيضاً؟
ولكن انتظروا فهذه المقالات سيتم جمعها وترتيبها وتبويبها، وستجد طريقها إلى المطبعة، وحتماً ستفرض هذه الكتب بالمونة على جهة رسمية لطباعتها والتعويض على المؤلف المسؤول السابق!!
املؤوا المكتبة بكتب كتبها من أضاع الموقع عندما كان مسؤولاً!
هذا هو المسؤول في سورية منذ عقود طويلة، هذا هو المسؤول الذي يمثل المشكلة الحقيقية بين الوطن والمواطن، ومشكلة المواطن الأولى معه قبل أن تكون مع التوجيهات والتوجهات، والدليل على ذلك أملاك المسؤولين الذين غادروا وصودرت، أو الأملاك التي ينعم بها من لم يغادر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن