ثقافة وفن

بدأ نجوميته مع «أسعد الوراق» وأنهى مسيرته فيه … هاني الروماني.. الممثل المحترف على خشبة المسرح تماماً كما في السينما والتلفزيون أمام الكاميرا ووراءها

| وائل العدس

وكأن قدره أن يبدأ نجاحه وتألقه ونجوميته في مسلسل «أسعد الوراق» عام 1975 مع المخرج علاء الدين كوكش، وأن ينهي حياته معه في عام 2010 مع المخرجة رشا شربتجي، حيث كانت النسخة الجديدة من هذا العمل آخر مشاركاته وإطلالاته وإبداعاته في الفن.
تميز بأدائه لأدوار الشر في أغلب مسلسلاته، وكان يجيد هذه الأدوار بشكل كبير للغاية، ما كان يساهم في نجاح الشخصيات التي يقدمها، ونجاح العمل الذي يشارك فيه.
قبل تسعة أعوام، رحل الفنان السوري الكبير هاني الروماني عن عمر واحد وسبعين عاماً بسبب مرض مزمن في الرئة، بعد مسيرة فنية حافلة، امتدت نصف قرن، قدم خلالها أعمالاً مميزة في المسرح والدراما والسينما السورية.

هو ممثل مسرحي بالدرجة الأولى ومنها انطلق نحو التمثيل التلفزيوني والسينمائي، وبين هذا وذاك كانت له تجارب كثيرة في الإخراج التلفزيوني، وميزته أنه لم يفشل في مكان لينتقل إلى مكان آخر فهو حرفي ماهر على خشبة المسرح تماماً كما هو ممثل من طراز خاص أمام كاميرا السينما والتلفزيون في أدوار مختلفة وألوان درامية متعددة، وبالقدر نفسه من الحرفية وقف مخرجاً خلف الكاميرا التلفزيونية.
ورغم أن الدراما اختطفته من عالم المسرح الذي أحبه، فقد ظل يحلم بالعودة إليه، ولاسيما أنه كان ممثلاً «شكسبيرياً» إذ بدأ خطواته على المسرح بالأدوار الصعبة كماكبث وشايلوك.
ولد هاني الروماني في دمشق في 27 آب 1939، والده كان تاجراً وسياسياً في عهدي الانتداب والاستقلال وأيضاً عضواً في الكتلة الوطنية، أما والدته فكانت مثقفة من عائلة لبنانية شهيرة، وكانت تحرص على تعليم أولادها اللغات الأجنبية ولهذا يخطئ بعضهم عندما يظنون أنه تخرّج في قسم اللغة الإنكليزية، على حين أنه كان متقناً للغة منذ صغره.
ترك كلية الطب عندما كان في السنة الخامسة فيها، وذهب إلى المكان الأثير إلى نفسه، فانتمى إلى ندوة «الفكر والفن» التي أسسها «رفيق الصبان» أواخر الخمسينيات، وقد انتخب في منتصف السبعينيات لعضوية إدارة مجلس نقابة الفنانين في دورته السادسة، كما شغل منصب نائب نقيب الفنانين، كما تسلم منصب المدير المسؤول لمجلة «فنون» التي أصدرتها نقابة الفنانين عام 1974، وانتخب في الوقت ذاته عضواً في مجلس الشعب.
على خشبة المسرح

البداية كانت في كتابة الشعر والقصة ثم حدثت التحولات عندما تعرف المسرح وتابع حضور أفلام «نادي السينما»، وعندما انتمى إلى ندوة «الفكر والفن» كان في التاسعة عشرة من عمره، وقد شارك في أداء عدة مسرحيات، وقد وقف أول مرة على المسرح عام 1961 ليمثل أدواراً مهمة في «الليلة الثانية عشرة» و«يوليوس قيصر» و«تاجر البندقية» لشكسبير، ثم «الاعترافات الكاذبة» و«لعبة الحب والمصادفة» لماريفو.
كما قدم على المسرح «السلطان الحائر» لتوفيق الحكيم و«رجل الأقدار» لبرناردشو و«العادلون» لألبير كامو و«ماكبث» لشكسبير. ومع انضمام فرقة الفنون الدرامية إلى المسرح القومي عام 1965، وقف على خشبة المسرح ليقدم بين عامي (1965- 1968) خمسة عروض مسرحية كانت استكمالاً لمسيرته المهمة في تقديم روائع المسرح الكلاسيكي، فكانت «موتى بلا قبور» لجان بول سارتر و«طرطوف» لموليير و«بنادق الأم كرار» لبريخت و«زواج فيغارو» لبورماشيه و«تابع الشيطان» لجورج برناردشو.
وقد تواصلت مسيرة هاني الروماني مع المسرح أواخر ستينيات القرن العشرين، من خلال فرقة «المسرح» التي أسسها مجموعة من الفنانين والمثقفين السوريين باسم نقابة الفنانين، وافتتحت نشاطها عام 1969 بالعرض المسرحي الشهير «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» عن نص لسعد اللـه ونوس أخرجه علاء الدين كوكش، ثم مع نص آخر لونوس أخرجه هو بنفسه «مغامرة رأس المملوك جابر»، أما التجربة الثالثة هنا فقد كانت في الإخراج حين تصدى لإخراج مسرحية «أنت اللي قتلت الوحش» للكاتب المصري علي سالم عام 1972.

الشاشة الصغيرة
استهواه التلفزيون وهو لا يزال حديث العهد عند المشاهدين، فأصبح في عداد العاملين فيه ابتداء من عام 1963، وشارك في عدد من الأعمال الدرامية، ثم اتجه إلى الإخراج التلفزيوني وكان أول عمل له عام 1966 بعنوان «فجر الاستقلال»، والعنوان ينبئ عن مضمونه، ولقيت اللعبة التلفزيونية هوى في نفسه فعمل مخرجاً وممثلاً، وحقق أعمالاً شهيرة سجلت بسطور بارزة في تاريخه الفني وبقي وفياً للتلفزيون حتى نهاية مسيرته الفنية والحياتية.
وشارك ممثلاً بما يقارب مئة مسلسل، منها «حارة القصر» 1970 و«دليلة والزيبق» 1976 و«شجرة الدر» 1979 و«بصمات على جدار الزمن» 1980 و«مرايا» 1984 و«اليتيم» 1988 و«الخشخاش» و«هجرة القلوب إلى القلوب» و«أبو كامل» 1991 و«الإخوة» 1992 و«نهاية رجل شجاع» 1994 و«الجوارح» 1995 و«القصاص» و«عيلة خمس نجوم» 1996 و«العبابيد» و«الموت القادم إلى الشرق» 1997 و«الخوالي» 2000 و«البحث عن صلاح الدين» 2001 و«هولاكو» 2002 و«الداية» 2003 و«المرابطون والأندلس» 2005 و«أبناء الرشيد» 2006 و«بيت جدي» و«أبو جعفر المنصور» و«أولاد القيمرية» و«ليل ورجال» 2008.
ويعد الروماني من أوائل الممثلين السوريين الذين شاركوا في مسلسلات عربية ذات إنتاج مشترك، من تلك التي كانت تتناول سير مشاهير التاريخ العربي في ثمانينيات القرن العشرين، فظهر في النسخة المصرية من مسلسل «صقر قريش» مع عزت العلايلي وصلاح قابيل، وشارك مع نضال الأشقر في «شجرة الدر» ومع محسنة توفيق في «زمن الحب»، كما حل ضيف شرف في المسلسل المصري «موسى بن نصير».
في الإخراج، أول عمل حمل توقيعه الإخراجي في التلفزيون كان تمثيلية بعنوان «فجر الاستقلال» كتبها نايف العطواني، وأنتجها التلفزيون السوري عام 1966، وفي عام 1967 شارك في إخراج حلقات من مسلسل «البخلاء» الذي أعده الكاتب ياسر المالح عن كتاب البخلاء للجاحظ.
وقدم في الثمانينيات عملين هما «الدروب الصغيرة» و«أمنيات صغيرة»، وفي بداية التسعينيات أخرج «حد السيف» عن الصراعات العربية في الأندلس.
وأهم أعماله الإخراجية كان «حمام القيشاني» من إنتاج التلفزيون السوري بأجزائه الخمسة؛ تحدث كل جزء عن مرحلة تاريخية سياسية من تاريخ سورية المعاصر، ابتداءً من عام الاستقلال وحتى ثورة الثامن من آذار.
كمخرج، كان الروماني يميل إلى الأعمال الواقعية والتاريخية، فقد قال يوماً: أنا أفضل العمل التاريخي المنتمي إلى مكان وزمان معينين؛ لأنني أجد فيه التحدي الكبير في أن أجعل شخوص النص حقيقيين، فأستحضرهم شخوصاً من لحم ودم، حتى لو كانوا ينتمون إلى زمن بعيد كالعصر العباسي أو ما قبله مثلاً.
وفي مجال حديثه عن «حمام القيشاني»، قال: شعبنا يحب الحكاية، ولهذا فإن العبارة الشعبية التي تعبر عن مزاج المشاهد هي «شوفي ما في»، بمعنى أن المشاهد يريد أن تحكي له، وتقص عليه.

الفن السابع
خاض الروماني غمار السينما في ذروة فورتها الإنتاجية في السبيعينيات، والنصف الأول من الثمانينيات، ومع أن السينما السورية بدأت تنشط في منتصف الستينيات، ومع إقدامه على المشاركة في أفلام عدة إلا أنه كان من الواضح حذره من المشاركة السينمائية، وما يلفت عدم مشاركته في أدوار عاطفية، وكانت له مشاركات في أفلام ذات طابع نضالي وطني وأفلام عن الصراع الاجتماعي.
كان أول أفلامه في عام 1968 بعنوان «اللص الظريف»، من إخراج يوسف عيسى وبطولة نهاد قلعي ودريد لحام ونيلي، وأدى فيه دور «لطيف بيك» رئيس مجلس إدارة شركة يعمل فيها ابن أخيه «عصفور».
وفي عام 1970 شارك في فيلمين يتحدثان عن العمليات الفدائية ضد الاحتلال الصهيوني، الأول بعنوان «ثلاث عمليات داخل فلسطين» إخراج سيف الدين شوكت، ويتحدث عن ثلاثة ثوار نذروا أنفسهم لفلسطين يقومون بثلاث عمليات بعضها يعود بنجاح وبعضهم يستشهد، والثاني «عملية الساعة السادسة» من إخراج الشخص ذاته.
للفنان الكبير مشاركة في السينما المصرية بفيلم «حبيبتي» إخراج هنري بركات، وكان أحد أبطال الفيلم إلى جانب فاتن حمامة ومحمود ياسين، وآخر فيلم شاركه في مسيرته السينمائية هو «دمشق تتكلم» من إخراج «خالد الخالد» وتأليف الإعلامية ميساء سلوم.
ومن الأفلام المهمة التي شارك فيها أيضاً «وجه آخر للحب» و«المطلوب رجل واحد» و«المغامرة» و«الحدود» و«حب وكارتيه» و«وادي الذكريات» و«إمبراطورية غوار».

شهادات بعد وفاته
فردوس الأتاسي: كنا أصدقاء لأكثر من ثلاثين سنة وعملنا معاً في عدة أعمال، لقد كان نجم السبعينيات من القرن المنصرم، وما زالت الأعمال التي شارك بها حية في الأذهان، فمن ينسى هاني الروماني في (أسعد الوراق).. شارك في عدة أعمال أخرجتها مثل (أحلام منتصف الليل) و(ياقوت الحموي) وكان مجيداً كممثل ومخرج لذا أرى أن خسارة (أبو علي) رحمه اللـه خسارة كبيرة وفقده محزن.
عباس النوري: الراحل كان يتمتع بحضور حقيقي لذا فإن غيابه حقيقي، إن فقد هاني الروماني من الخسارات الموجعة لقد كان حقيقياً بثقافته وانتمائه لسورية، لقد كان مخلصاً للثقافة والفن في زمن الزيف، كان استثنائياً بثقافته المتنوعة والفنية، كان يتمتع بذهن متوقد وذاكرة قلما يتمتع بها إنسان، وعلى الصعيد الشخصي خسرت أهم أساتذتي الذين علموني وساندوني.
رياض بكرلي: الراحل قدم إلى الفن هاجراً الطب في عام 1963 حيث انضم إلى فرقة رفيق الصبان المسرحية، وكان أحد أعضائها للتلفزيون وهو مازال في سنواته الأولى.. لقد كان إنساناً طيباً وطفلاً من الداخل ومتسامحاً وشفافاً وجميلاً وزينة الجلسات التي كانت تجمعنا، لقد كان فناناً كبيراً لديه قدرة عجيبة على الحفظ، كان رحمه اللـه يحفظ لمجرد تصفح الورق وكان يحفظ حواره وحوار الفنان الذي يقابله في المشهد وكان يصحح للآخرين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن