قضايا وآراء

بين الضغط الدولي وهجرة السوريين: ماذا عن الأداء الحكومي؟

فرنسا – فراس عزيز ديب : 

لئِن كنت من الجيل الذي تربى على بيت شعر لـ«خليل خوري»…
«وصدى البشيرِ يهزُّني طرباً.. أنَّا أعدنا القدس والنقبا»، لا يعني أن ننسى ما ورد في مطلع القصيدة… «من قاسيون أطل يا وطني.. فأرى دمشق تعانق الشهبا».
ليس من باب العواطف أن تتذكر إطلالة قاسيون التي تكشف دمشق، هو نوع من التجسيد الأخلاقي أنك عندما ترتقي بتفكيرك إلى أعلى درجات «قاسيون»، فإنك سترى بواقعيةٍ الوطنَ بكامله، لتنطلق في تحليلك لما يمر به -في الشأن الداخلي تحديداً- بموضوعيةٍ.
تفجير في اللاذقية ظاهره إرهابيّ؛ وباطنه فتنوي. تفجير في «سويداء القلب» ظاهره إرهابيّ وباطنه فتنوي، ومن بين غبار التفجيرين قرر أحد أعضاء مجلس الشعب أن يستفيق فجأةً ليحدثنا عن إخفاق سياسات الحكومة في منع الهجرة؟!
لكي نفهم أي حدث، لننظر إلى تعاطي الإعلام المعادي معه، بمعنى آخر بالقدر الذي تم فيه التسول باسم صورة الطفل السوري الذي وجد ميتاً على أحد الشواطئ التركية، يتم الآن التسول على من تم استهدافهم بتفجير السويداء والمتهم جاهز… الدولة السورية.
إن التفجير الداخلي للمناطق التي تشكل صمام أمان ليس لكيان الدولة فحسب، لكن لـ«الكيان الشعبي» المنتمي للدولة الذي رفض الخروج من سورية ولجأ إلى المدن «الآمنة»، هو خيار تعمل عليه الدول المنخرطة بالحرب على سورية منذ مدةٍ، فكل التحذيرات من الضرر الناتج عن التراخي في التعاطي مع الحالات البسيطة في المناطق الآمنة لم تجد نفعاً، لأنها ما تلبث أن تتطور. للأسف هناك من يصر على البطء في إيجاد الحلول، هناك إصرار على البطء حتى في إقالة مسؤولٍ فاسدٍ، بل أكثر من ذلك، كان المواطن السوري -منذ ما بعد خطاب القسم- ولا يزال ينتظر تغييراً حكومياً يجدد ثقته بمن يتولون أمره، علماً أن الواقعية تقودنا لفكرة أن التغيير قد لا يبدِّل في الحال كثيراً، تحديداً أن الحكومة والمواطنين كلّ منهما متمسك بمبرراته كالتالي:
تتحدث الحكومة عن عملها المكبَّل بالوضع الأمني وقلة الإيرادات، وما إلى هنالك من هذه التبريرات «المملة»، لكن هذا الأمر لا يبدو منطقياً فالمواطن لم يعد يناقش معكم مقومات الرخاء، المواطن على الأقل مثلاً يريد توزيعاً عادلاً للمساعدات، لوقود التدفئة قبل الشتاء، لضبط الأسعار، هذه أمور لا علاقة لها بكل هذه المبررات. المواطن لا يطلب منكم وعوداً، لكنه يقول لكم ببساطةٍ: عندما تعدون بشيءٍ كونوا على قدر هذا الوعد، فكيف لرئيس حكومة أن يبشِّر قبل أسبوعين بتحسن وضع الكهرباء، ومنذ أسبوعين حتى الآن بات وضع الكهرباء مزرياً أكثر؟! علينا أن نعي أننا في زمن ثورة الاتصالات والمعلومات والمواطن الآن بات قادراً أن يقرأ كل التصريحات ويوازن بينها، بات قادراً أن يحاسب المسؤول عن الوعود الخلّبية تحديداً في ظل حالة النوم المستمرة لمجلس الشعب الذي من المفترض أنه يدافع عن حقوق هذا المواطن.
في المقابل، إن الحالة الشعبية ترى أن الحكومة في وادٍ والشعب في وادٍ آخر، فمن وضع الدولة خياراً له لايمكن أن يخذلها، لذلك تراهم يتجاهلون تماماً الحال المزري الذي وصلت إليه الخدمات في كل الجوانب، لأنهم يدركون أن المواطن صابر وصامد ولن يتزحزح، لكن هذا الأمر لم يعد مقبولاً؛ عليهم أن يكونوا بالحد الأدنى من مستوى الصمود الشعبي، فكيف نطلب من الشعب أن يصمد وهناك مسؤول يعترف بأن متوسط احتياجات الأسرة يفوق ثلاثة أضعاف دخلها، هذا إن افترضنا أن الزوج والزوجة منتجان؟!
لكن هذا الكلام أيضاً تبدو فيه بعض الثغرات، لأنه يتجاهل فعلياً تحديد بواطن الخلل الاقتصادي. قلنا إن المسؤول يخطئ بوعوده الخلّبية، لكن في النهاية هناك وضع صعب نحن كلنا نعيه، انعدام الواردات وحقول النفط بمعظمها خارج التغطية. كذلك الأمر الخلل الذي يحدث في هذه المحافظات من الناحية الإدارية والفساد الذي يضرب عمليات توزع الاحتياجات الأساسية، من سببه؟ هل إن موظفي الإدارات الفاسدين هم من خارج الحالة الشعبية لهذه المحافظات، هل من المعقول أن نحمّل الحكومة مسؤولية فساد رئيس بلدية في الريف النائي! إذاً ما الحل؟
قد يكون الحل فعلياً بإيجاد حلٍّ وسطٍ، يسحب ولو قليلاً حالة النقم الشعبي على سياسات الحكومة، كبيان وزاري جديد يتيح للجميع البحث عن فرصة لالتقاط الأنفاس، تحديداً وسط ارتفاع الحديث عما يسميه الإعلام المعادي «هجرة السوريين» للهروب من الوضع الاقتصادي؟!
بالإطار العام يمكننا القول إن الحكومة تتحمل جزءاً بسيطاً جداً مما يحدث في موضوع الهجرة، وهذا الكلام ليس للمجاملة -ليست عادتي- لكن إذا افترضنا أن هناك من يهرب من الوضع الاقتصادي، فلماذا قرر بعض المغتربين في مشيخات النفط الوصول مع عائلاتهم عبر «الفيزا السياحية» إلى الدول الأوروبية ومن ثم طلب اللجوء فيها؟! سؤال بديهي يكشف لنا حقيقة أن موضوع الهجرة هناك من بات يراه «فرصةً» لن تتكرر لدخول النعيم الأوروبي، و«تجارة» ناجحة مع الوعود المنتظرة بالرواتب والسكن!
هناك أمر فظيع تحاول الدول الغربية اللعب عليه بموضوع الهجرة، تحديداً في ظل تعويم الحديث عن هذا الأمر وتكراره -تماماً كتكرار ظهور المحللين السياسيين ذاتهم على الإعلام الرسمي- بشكلٍ يومي، بل حتى إن بعض الصحف الفرنسية تنشر عن هذا الملف تقريراً صباحياً في نسختها الورقية، وتقريراً في منتصف النهار على موقعها الإلكتروني.
بعيداً عن اللغة الخشبية المتمثلة بهجرة العقول وما إلى ذلك (ألمانيا الاقتصاد الأول أوروبياً، هل حقاً هي بحاجة لمهندسٍ سوري ليبنيها!!)، فإن حال التعاطي الأوروبي مع ما يجري يبدو مثيراً للاستغراب، ربما يمكننا القول إن أوروبا لا تريد لنفسها أن تخرج منهزمة من المعركة في سورية، هي بذلك تحاكي تماماً سياسات مشيخات النفط وتركيا في ما يجري في سورية، ولعل موضوع اللاجئين هو أحد المواضيع الذي سيُظهر ضعفها، لذلك تحاول لملمته بطريقةٍ لا تُظهر أن تحذيرات القذافي عند اندلاع ربيع الناتو في ليبيا من موضوع الهجرة بات يتحقق بالكامل. ببساطةٍ لو أرادت أوروبا لضغطت على تركيا لوقف الهجرة، تحديداً إن تركيا هي نقطه العبور الأولى للاجئين السوريين، والأهم أننا شئنا أم أبينا فإن هذا الأمر يمثل مادة جديدة للاستهلاك الإعلامي تظهر إنسانية الأوروبيين وفظاعة «النظام السوري»، لدرجةٍ بات الجميع فيها يريد العودة من بوابة الحديث عن المهاجرين حتى إننا استغربنا دعوة «متمول مصري» لشراء جزيرة يونانية ليضع فيها اللاجئين السوريين، وهنا نسأله:
لماذا لا تشتريها لتضع فيها «سكان المقابر» في مصر البالغ عددهم أكثر من مليوني شخص!!
كذلك الأمر هناك تركيز على فكرة أن اللاجئين لا يهربون من الوضع الاقتصادي فحسب (علماً وبالمقارنة مع ما يدفعونه للوصول للجنة الأوروبية لا يبدون وكأنهم يعانون ضغطاً اقتصادياً)، لكنهم يركزون على فرضية أنهم يهربون من «النظام»، هذا ما دعا بوتين للتذكير بأنهم يهربون من داعش وملحقاتها.
إذاً في ظل هذا «الوهن» الحكومي والوضع الدولي المتخاذل، هل مازالت الحلول قيد الدرس أم إن سياسة إفراغ سورية عبر قتل شعبها أو تسهيل هجرته مستمرة؟!
زار ملك «آل سعود» أوباما، لم يرشح عن اللقاء ما هو مفيد، كذلك الأمر فإن الخلافات المتفجرة لا يمكن لها أن تُحل بسهولةٍ، حتى بين الحلفاء أنفسهم. حُكي عن تهديداتٍ لمصر في حال استمرت بالانفتاح على سورية، بل تشير المعلومات إلى أن «آل سعود» طلبوا من مصر إطلاعهم على خلفيات التنسيق الأمني مع سورية. أيضاً، فإن الرد على ما سمته وسائل الإعلام «مبادرة إماراتية» كان واضحاً، فقد دفعت مشيخة الإمارات ثمنه في اليمن بمقتل 45 جندياً، بدت العملية كأنها تصفية حسابات بين الحلفاء، وهي رسالة واضحة بأن أي محاولة للتغريد خارج سرب «آل سعود» ستكون نتائجها كارثية.
إذاً يبدو الوضع الدولي في حالة سبات، والوضع الداخلي بحالة ألم متزايد والمعركة لا تزال مستمرة، ولم يلق أحد بعد راية الاستسلام.
وعليه؛ لنعد النظر بآليات تحصين الوضع الداخلي ولنعدّ العدَّة لقادمات الأيام جيداً، فتحصين الوضع لايكون بتجاهل المطالب الشعبية؛ إن كان بإقالة محافظ ولا حتى بإقالة حكومة، فالحكومة والشعب كل منهما متمم للآخر. لا يمكن لنا أن نحمل أحدهما مسؤولية أي إخفاق دون الآخر، فمحاولات الفتنة في اللاذقية والسويداء داسها الشرفاء و«البسطاء» في كلتا المدينتين، يكفي أن نستمع لكلام شيخ العقل ليُطرَب كل عاقلٍ بألحان الوطنية والانتماء، كما أطربتنا يوماً «الإطلالة من قاسيون»، لنعي أن الوطن على المستوى الشعبي محصن «بعقولٍ» راجحةٍ، بقي أن تستتبعوا هذا التحصين الشعبي بما يوازيه على المستوى الحكومي… ربما الكرة بملعبكم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن