قضايا وآراء

إيران بعد قرار ترامب الانسحاب من سورية

| أنس وهيب الكردي

بدأت القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في اللعبة الكبرى الدائرة حول الشرق الأوسط، ‏تعيد ضبط سياساتها استعداداً للوضع المتغير شرقي سورية، مع اتساع نطاق التحضيرات لتنفيذ ‏قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قوات بلاده من المناطق الواقعة إلى شرقي نهر الفرات. ‏
طال التغيير أكثر ما طال سياسة إيران؛ فهذه الدولة سبق أن ركزت خلال السنتين ‏الماضيتين على تطوير أدوات في سياق مواجهتها الشاملة مع إسرائيل، مفضلةً في الوقت عينه، ‏العمل على احتواء الإستراتيجية الأميركية للشرق الأوسط، وأداتها في ذلك ثلاثي «عملية أستانا»، ‏بهذه الطريقة تمكنت إيران من مواصلة توسيع دورها الإقليمي ونفوذها عبر المنطقة. ‏
مع تحول السياسة الأميركية تجاه إيران، بعد ترامب، من الاسترضاء إلى المعاقبة، بدأت ‏طهران تعديل تكتيكاتها الإقليمية؛ فالاستمرار في سياسة المواجهة مع «إسرائيل» تحول إلى أمر ‏ثانوي بالنسبة للمصالح الإيرانية الأوسع في الشرق الأوسط، وذلك مقابل العودة إلى مواجهة ‏الإستراتيجية الأميركية المعادية لإيران، والتي لم يعد بإمكان طهران ترك أمرها لمجموعة «أستانا» ‏فقط. ‏
ظهرت باكورة الإستراتيجية الجديدة بعد فرض الولايات المتحدة عقوباتها على إيران في ‏شهر تشرين الثاني من العام الماضي، وتسارعت مع إعلان ترامب عزمه سحب القوات الأميركية ‏من شرق سورية. ‏
لم تعد إيران راغبة في العمل حالياً ضد «إسرائيل»، بل ضد الولايات المتحدة حيث ساحة ‏المعركة هي بلاد الرافدين، ضمن هذا التوجه، قررت طهران، لأول مرة، نقل ملف الاعتداءات ‏الإسرائيلية على سورية إلى «مجموعة أستانا». الرسالة كانت واضحة في هذا الصدد، يجب على ‏«مجموعة أستانا»، أن تتعامل مع حالة الاعتداءات الإسرائيلية على السيادة السورية، ليس فقط ‏العمل ضد الخطط الأميركية في المنطقة. نقل رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في ‏مجلس الشورى الإيراني حشمت اللـه فلاحت بيشه إلى دمشق، رسالة تدعم هذا التوجه الإيراني ‏الجديد، وأكد أن «بلاده لا تنوي الدخول في حرب مع «إسرائيل» على الأراضي السورية»، وشدد أن «هزيمة «إسرائيل» ستكون في المكان المناسب». ‏
قرار الانسحاب الأميركي من شرق سورية إلى العراق، يمثل في آن واحد، «فرصة وخطراً» ‏بالنسبة للمصالح الإيرانية في المنطقة؛ فهو من جهة، سيجعل واشنطن على احتكاك أكبر بطهران ‏وحلفائها العراقيين، ومن جهة أخرى، قد يمكن هذا القرار، إيران من توطيد سيطرتها ‏الجيوسياسية على «طريق الحرير الحديث» المنطلق من الصين إلى شرقي البحر الأبيض المتوسط ‏عبر العراق وسورية. ‏
ملء الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأميركي من شرق سورية واستتباعات إعادة الانتشار ‏الأميركي في المنطقة باتجاه العراق، رتب على إيران تخصيص مزيد من الموارد لشرق سورية وغرب ‏العراق، فضلاً عن حاجتها للمساهمة في تقرير مصير إدلب، مع دخول المحادثات الروسية التركية ‏حول هذه المحافظة مراحلها النهائية. ‏
وبعد أن ساهمت إيران في إنجاح الجهود لتشكيل الحكومة العراقية، تدعم طهران تحقيق ‏تناغم عراقي حول مطلب انسحاب القوات الأميركية، وذلك في حين تعمل على تهدئة الساحة ‏اللبنانية من خلال تشكيل حكومة جديدة هناك بالتوافق مع الأوروبيين والروس، وذلك مقابل ‏إطلاق الآلية المالية الأوروبية للتجارة مع طهران والهادفة إلى تجاوز العقوبات الأميركية المفروضة ‏على إيران. ‏
هكذا، تعيد إيران تشكيل سياستها الإقليمية وعينها على مواجهة الأميركيين في العراق، وملء الفراغ ‏الذي سيخلفونه في شرق سورية، والمساهمة في حل معضلة إدلب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن