من دفتر الوطن

التحالف مع السرطان

| حسن م. يوسف

ليلة أمس السبت أصبت بحالة تشبه التسمم جعلتني أعيش ليلة عصيبة لم أشهد مثيلاً لها منذ أن حطّت طائرة أنور السادات في مطار بن غوريون، يوم السبت الموافق 19 تشرين الثاني 1977. فخلال ليلة الجمعة الفائتة تتالت عليَّ الكوابيس المزعجة بشكل لم أعهده خلال السنوات الماضية رغم معاصرتي لأهوال الحرب التي تشنها الفاشية العالمية على وطننا السوري الحبيب منذ ثمانية أعوام.
لم يكن سبب حالة التسمم التي تعرضت لها ليلة أمس الأول طعاماً أكلته، ولا شراباً شربته، ولا دواءً حقنت به، بل خبر شاهدته على شاشة التلفزيون! فقد رأيت وزير الخارجية البحريني (المعلوف جيداً) خالد بن أحمد آل خليفة، يقول إن مواجهة ما وصفه بـ«التهديد الإيراني»، يعد «أخطر وأهم» من القضية الفلسطينية في الوقت الحالي. وفي هذا إيحاء مخادع بأن الاحتلال الصهيوني لم يعد خطراً على الفلسطينيين والعرب. وهذا كلام ساذج كشرب سم الفئران اعتماداً على أنه أقل سمية من الزرنيخ!
لك كامل الحق أيها القارئ العزيز أن تستغرب ردة فعلي القوية على كلمات هذا (الوزير)! فهذه ليست أول مرة يغازل فيها حكام الخليج الكيان السرطاني الصهيوني في فلسطين، والحقيقة أنهم منذ سنوات وسنوات يسربون الأخبار بشكل بطيء ومدروس، كما يتبادلون الوفود والزيارات مع سلطات الاحتلال الصهيوني السرطاني، بشكل ربع سري، أو نصف سري، فإذا فوجئوا برد فعل شديد هنا، أو مظاهرة احتجاج جماهيرية حاشدة هناك، بادروا للنفي والاستنكار والشجب! وهدفهم من عملية التسريب ونفي التسريب وطق الحنك، هو تهيئة الشارع العربي لتقبل خيانتهم واعتبارها ضرباً من الواقعية السياسية كما قال السادات يوم توقيع اتفاقيته الاستسلامية مع كيان الاحتلال الصهيوني.
لا أخفيكم أنني قد أمضيت عدة ساعات قبل الشروع في كتابة هذه الكلمات، وأنا أبحث عن مبرر منطقي لتسممي بما قاله وزير خارجية البحرين. وإليكم خلاصة ما توصلت إليه.
في كل يوم تموت ملايين الخلايا في جسد كل إنسان، كما تتشكل ملايين الخلايا الجديدة لترميم نسيجنا التالف، وقد اكتشف العلماء أن الخلية عندما تهرم لا تموت مجانياً، بل إنها تنتحر كي تمكننا من الاستمرار؛ فالخلية تولد وهي تحمل في داخلها بروتيناً ساما تحتفظ به لنفسها كما يحتفظ المقاتلون الأشداء لأنفسهم بالرصاصة الأخيرة. فإذا تحولت الخلية إلى عبء على الجسد، جاءها أمر من الدماغ بتحرير ذاك البروتين السام. وهكذا تقتل الخلية المريضة نفسها كي لا تتحول إلى عبء يهدد الجسد كله!
تعلمون أن السرطان ينشأ نتيجة تكاثر خلايا غريبة تستخدم موارد الجسد كي تنمو على حسابه، كما حدث في منطقتنا، فقد تشكل الكيان السرطاني في فلسطين وانتشر خارجها بفضل المساعدات الأميركية التي ما هي في الحقيقة إلا بعض أرباح نفط الخليج.
ستقول لي أيها القارئ العزيز: وما الجديد في القول إن «التهديد الإيراني»، يعد «أخطر وأهم» من القضية الفلسطينية!
الجديد في هذا الكلام يا أصدقائي هو أن (المريض) بدأ يعلن تحالفه مع السرطان ضد نفسه، وهذا طور ما قبل النهاية! وهذا ولا شك سر تسممي بهذا الخبر قبل ليلتين!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن