قضايا وآراء

حصانة الانتصار السوري وآفاقه الإقليمية

| تحسين الحلبي

يبدو من الواضح أن انتصار سورية وحلفائها في حرب السنوات الثماني الماضية سيحمل معه تغيرت متسارعة على طبيعة أوضاع الدول المجاورة لسورية، ويلاحظ الجميع أن الدول التي شاركت بأشكال مختلفة مباشرة وغير مباشرة في دعم هذه الحرب ضد سورية بدأت تفقد جزءاً كبيراً من قدرتها على الاستمرار في هذه السياسة وبالتحديد الكيان الإسرائيلي، ولهذا السبب يحاول رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو العمل على استغلال دول عربية أخرى لمحاصرة سورية وإبقائها تحت دائرة الخطر الدائم وعرقلة استكمالها للانتصار في المجالات الأخرى.
وإذا كانت إسرائيل تسلم بعجزها عن محاصرة سورية من العراق أو لبنان لأن مستقبل علاقتهما مع سورية سيشهد قفزات مقبلة فإنها لن تستطيع أيضاً التأثير في الأردن لمنع تطوير علاقاته مع سورية في مختلف المجالات وعلى أساس مصالح مشتركة تجعله في حاجة لها.
وكان المحلل الإسرئيلي روبن بن يشاي قد كشف أن مؤتمر وارسو الأخير لم يحقق لإسرائيل سوى مظهر العرض الذي وقف فيه نتنياهو إلى جانب الممثلين العرب الذين شاركوا باسم دولهم في المؤتمر ولم يستطع المؤتمر أن يشير إلى فكرة تأسيس «حلف ناتو عربي» كان قد خصص له وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو جولة خاصة على بعض الدول العربية في شهر كانون الثاني الماضي.
ويضيف «بن يشاي» أن الدول العربية المشاركة في مؤتمر وارسو لم تفضل الظهور بمظهر المشارك العلني في كل ما يصرح به نتنياهو، بل تحاول المحافظة على سرية التقارب معه ولا تستطيع تحمل نتائج تحالف علني مع إسرائيل.
ويكشف «بن يشاي» أن نتنياهو حاول إيهام الإعلام بأنه حقق منجزات لكنه لم يحقق شيئاً سوى توتير العلاقات مع حكومة بولندا بعد تصريحاته عن دور البولنديين ومساعدتهم للنازية ضد اليهود، ويضيف أن بومبيو نفسه لم يكن راضياً عن نتائج وارسو.
ويرى «تيرانس مينتينير» من مجلة «ميديا لاين» أن «جاريد كوشنير» و«غرينبلات» لم يحققا من مشاركتهما في وارسو شيئاً لمصلحة «صفقة القرن» التي يروجانها في كل مناسبة، فقد لاحظ الحضور أن مصر أكدت أن كل الأزمات في الشرق الأوسط سببها القضية الفلسطينية ولا حل لها إلا بدولة فلسطينية عاصمتها القدس وعلى حدود حزيران 1967 وهذا بدوره ما يمنع السعودية على حد رأي «مينيتنير» من الانخراط في صفقة القرن التي يراد منها تطبيع علاقات الدول العربية مع إسرائيل من دون تحقيق حل للقضية الفلسطينية.
أما الجوار السوري التركي فقد أصبح في أولوية جدول العمل السوري- الروسي- الإيراني لأن الانتصار المقبل لهذا الحلف في إدلب وجوارها سينقل وتائره المتسارعة والمؤثرة إلى بقية المناطق في شرقي الفرات وفي أماكن وجود القوات التركية التي غزت الأراضي السورية.. ويتوقع معظم المختصين في شؤون الشرق الأوسط أن عام 2019 سيشهد تحولات كبيرة في جميع مناطق شمال وشمال شرق سورية سواء قررت إدارة ترامب الإسراع بسحب وحداتها العسكرية من الأراضي السورية أو إبقاءها لمدة أطول.
ويبدو أن إسرائيل تدرك صحة هذه التقديرات أكثر من غيرها، فالبروفيسور «أيال زيسير» أحد أهم المختصين بشؤون سورية يبين في دراسة شارك فيها بعنوان: «كيف تتصور إسرائيل الوضع السوري في عام 2019» أن «الرئيس الأسد سيركز في هذا العام بشكل مكثف على بناء الجيش السوري ومؤسسات الأمن»، ويؤكد زيسير أن الهدف الرئيسي الذي ستضعه سورية وروسيا وإيران في هذا العام هو «إخراج القوات الأميركية من سورية» وهذا يعني إخراج القوات التركية أيضاً.
ويعترف زيسير أنه ليس هناك ما يدعو للاعتقاد بتوسع متجدد للتمرد في سورية هذا العام، لأن أي تمرد مسلح أو غيره سيحتاج لدعم مالي سعودي وقطري لن تعمل قطر والسعودية على تأمينه بعد فشلهما، بل إن زيسير يتمنى ألا تضطر إسرائيل إلى التسبب بمجابهة مع سورية قريباً.
ويرى المشاركون في الدراسة التي نشرها معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في 29 كانون الثاني الماضي أن روسيا ستعمل على تشجيع انفتاح دول عربية أخرى على سورية، لأن ذلك في مصلحة التحالف الروسي- السوري- الإيراني واتساع علاقاته مع دول المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن