قضايا وآراء

بوصلة دي ميستورا واليوم التالي.. إلى أين..!؟

عبد السلام حجاب : 

بداية، يقول السوريون، وأنا من بينهم: «اخلع نعليك، وارمِ بعيداً قفازيك المصنوعين من جلد سياسة الأفعى الناعم، وأبعد عنك التواء الفم وانحراف الشفتين، ونظف روحك وعقلك من سياسة الرهاب، وتسييس الإرهاب فلقد أسقط سواك. ولا تثرد في صحن غيرك من خبز أم ثكلى، ومن قمح وطن عمره آلاف السنين، واعلم أنها بضاعة فاسدة وسياسة مشبوهة، مآلها الفشل، والخيبة حصادها، فاقرأ التاريخ جيداً وتفهم أن سورية بلد الشهداء والأنبياء والثابتين على الحق، صابرين ومقاومين، ثم لا بأس عليك إن أقدمت»..!
ولقد لاحظ مراقبون أنه منذ أعلن المبعوث الدولي دي ميستورا أمام مجلس الأمن الدولي خطته بشأن إيجاد حل سياسي للأزمة في سورية تستغرق تسعين يوماً، تبدأ من منتصف أيلول الحالي، بأن ثمة أجندات مخفية، تضمنتها، وبوصلة أميركية حددت اتجاهاتها، وتفاصيلها، بتشكيل ما سمي «مجموعات عمل أربع» حول الأمن والحماية، ومكافحة الإرهاب، والمسائل السياسية والقانونية ومجموعة إعادة الإعمار، يبدو أنها صياغة سياسية لتقرير «اليوم التالي» حول سورية أعده فريق من المحافظين الجدد والليبراليون الجدد الذين تحركهم مصالح إسرائيلية!
ولأن الشيطان يكمن في التفاصيل، فقد أثار الغموض الذي أحاط بخطة دي ميستورا ولم تغب أسبابه عن المصالح الأميركية، علامات استفهام ترتبط بمسائل حيوية لا يفيد بشأنها الغموض، ما يطرح عدة أسئلة من بينها:
1- لماذا اللجوء في مواجهة الإرهاب إلى دبلوماسية انتقاء العبارات، وعرقلة الجهود الصادقة التي تحاربه من دون انتقائية، بعد أن تحول إلى وباء قاتل يضرب سورية والعراق ودولاً أخرى في المنطقة ويهدد العالم بأخطاره، ثم إن المنظمة الدولية أدرجت الإرهاب بمختلف أشكاله ومسمياته على لوائحها السوداء كما أقدمت فعلاً دول كثيرة، وليس كلاماً للاستهلاك السياسي؟
2- لماذا التمويه على حقيقة من أنتج الإرهاب، ويدعمه، ويستثمر فيه لمصالح مخططات عدوانية تستهدف سورية، محاولة ابتزاز مواقفها الوطنية والقومية وزعزعة الأمن والاستقرار فيها، وتهديدها حاضراً ومستقبلاً؟
3- مَنْ المستفيد غير واشنطن وحلفها الإرهابي من صمت المنظمة الدولية إزاء تجميد قرارات مجلس الأمن 2170 و2178 و2199 المتعلقة بمحاربة الإرهاب وتجفيف منابعه ومصادر تمويله؟
4- لحساب من يتجاهل دي ميستورا نتائج ما أسفرت عنه محادثاته في دمشق وطهران وموسكو ولاسيما ما يتعلق بنتائج اللقاءين التشاوريين برعاية روسية بين ممثلي الحكومة والمعارضات السورية!؟
5- أليست إشاحة دي ميستورا بنظره عن مندرجات قرارات مجلس الأمن والحيلولة من دون تنفيذها بمثابة قطب مخفية، تستهدف تحقيق أمرين رئيسيين:
أ- إطالة أمد الحرب بالإرهاب التي تقودها أميركا على سورية بذرائع مختلفة، بغية خلق واقع جيو سياسي جديد يتجاوز «سايكس بيكو» وفقاً لما يسعى إليه المشروع الأميركي- الصهيوني في سورية والمنطقة.
ب- تسييس الإرهاب بجعله ورقة بتصرفه لتعويمها على طاولته حسب خطته المعلنة حيث يتحول تنفيذها من استثمار للإرهاب بالدماء إلى استثمار للإرهاب بالسياسة.
واستنتاجاً يمكن القول إن أولى القطب المخفية التي تشي بها أجندة دي ميستورا السرية، وضع الدولة السورية وشرعيتها الدستورية والقانونية، وإنجازاتها الوطنية على الصعيدين السياسي والميداني، أمام الإرهاب المسلح والمسيس على طاولة واحدة وذلك في خرق لا أخلاقي غير مسبوق، ينفي عن دي ميستورا صفتي النزاهة والحيادية التي يجب أن يتوافر عليهما أي مبعوث دولي.
وأما القطبة المخفية الثانية، فمحاولة تفريغ الدولة الوطنية السورية من مضامينها الديمقراطية التي أقرتها الأغلبية العظمى من الشعب العربي السوري وذلك خدمة للبوصلة الأميركية والملتحقين بها من عملاء ومرتزقة وجماعات إرهابية تفتح أبواب سورية أمام غزو استعماري جديد بلبوس شرعية مثقوبة بمشروع التقسيم على أنقاض سايكس بيكو سيئ الذكر، ولقد سبق للرئيس بشار الأسد التأكيد بوضوح «لن ندعم أي طرح للوسطاء الأمميين لا يتناسب مع مصالحنا الوطنية»، مبيناً «أن سيادة سورية ووحدة أراضيها وقرار شعبنا ومحاربة الإرهاب، محددات الموقف السوري من أي مبادرة».
والسؤال: إذا لم يكن وراء أكمة دي ميستورا ما وراءها، فلماذا تجري استعادة تسييس الإرهاب وجعله رقماً على طاولة سياسية بعد أن فشل هذا التوجه اللاأخلاقي سابقاً وبمراحل مختلفة؟ ألا يعني ذلك بوضوح أنه بوصلة سياسية أميركية بهدف إخراجها من مأزقها الراهن على خلفية الصمود السوري والموقف الروسي الداعم متعدد الوجوه والاتفاق النووي الإيراني، وهو مأزق يعكس على حلف الإرهاب فشلاً تعانيه أطرافه والأدوات التنفيذية الأخرى، من العثماني السفاح أردوغان إلى ملك الوهابية السعودية ليشمل باقي المنظومة في مشيخة قطر ونظام ملك الأردن، ولا شك بأنها ستكون استعادة خرقاء لو تمت لأنها لن تقدم سوى مزيد من القتل والدمار وزعزعة أمن واستقرار المنطقة وخارجها، ولن تقف سورية عاجزة أمام مواجهتها والتصدي لتداعياتها، إذ إن محاربة الإرهاب بالنسبة للسوريين أهون ألف مرة من شرور تسييس الإرهاب وتقديمه نظيفاً من تاريخه الإجرامي!؟
وعليه ألم يقرأ دي ميستورا بأن واشنطن غزت عسكرياً أفغانستان والعراق وقسمت العالم إلى فسطاطين وشرعت قوانين لهذا الغرض وألغت حدود بلدان مستقلة انتقاماً لأحداث أيلول الإرهابية الملتبسة؟
ما من شك بأن سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد ستواصل بذل الجهود السياسية مع طهران وموسكو وفي الدائرة الأوسع من الأصدقاء، فاتحة عقلها السياسي أمام وعي دي ميستورا لنزاهة وحيادية مهمة، من أجل إغناء المسار السياسي تمهيداً لحل سياسي للأزمة في سورية جوهره محاربة الإرهاب، وما يعنيه من ملاقاة لتطلعات السوريين وحقوقهم الوطنية في دحر الإرهاب والإرهابيين على اختلاف مسمياتهم وأجنداتهم وفي الدفاع عن السيادة الوطنية جغرافياً وسياسياً وهما مساران متلازمان، لبناء سورية المتجددة بقرار السوريين وإرادتهم الوطنية بقيادة الرئيس الأسد، وفي مسار ميداني لدحر الإرهاب وإحباط أجندات منتجيه ومشغليه وداعميه حتى تحقيق الانتصار، وإن غداً لناظره قريب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن