الأولى

سورية: بوابة الحلول

بيروت – محمد عبيد : 

المطلعون على أجواء اجتماع الدوحة بين وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف ونظيريه الأميركي جون كيري والسعودي عادل الجبير أوائل آب الماضي يؤكدون أن محاولات جر لافروف إلى أجندة انتقالية لم تفلح كالعادة.
فالاجتماع الذي بدأه كيري بمقدمات تمهيدية تتمحور حول ضرورة إيجاد حل للأزمة السورية لما لهذه الأزمة من انعكاسات سلبية على أوضاع المنطقة برمتها، لم يأت خلالها على ذكر الرئيس بشار الأسد بل فتح الطريق للجبير كي يتولى المهمة، فما كان من الأخير إلا أن استسهب في شرح موقف النظام السعودي حول عدم «شرعية» الرئيس الأسد شعبياً، إضافة إلى عدم إمكانية الحل بوجوده وبالتالي فإن «المملكة ستستمر بدعم مجموعات المعارضة المسلحة حتى إسقاطه»، ليتولى كيري من جديد الحديث طارحاً التفاهم على تشكيل حكومة انتقالية برئاسة الرئيس الأسد نفسه لمدة 6 أشهر تجري خلالها انتخابات بإشراف دولي!
كان من المفترض أن يشكل هذا السيناريو الأميركي السعودي المفبرك حرجاً للوزير الروسي الذي تلقف الطرح متسائلاً: وماذا إذا فاز من جديد الرئيس الأسد وحزبه وأنصاره في هذه الانتخابات، هل ستعترفون بها؟ ومن الذي سيتقدم بطرح كهذا للرئيس الأسد؟ ليستدرك الوزير لافروف مخاطباً كيري: يبدو أنكم لم تتعلموا من التجارب المُرة التي أدت إليها حروبكم وتدخلاتكم في المنطقة بدءاً من العراق مروراً بليبيا وصولاً اليوم إلى سورية.. وإذا وجد «داعش» أن هذا النظام يتداعى، ما الذي يمنعه من التمدد أكثر فأكثر وبسرعة قياسية تخلط الأوراق وتعقد الأمور وبالتالي يستحيل معها السيطرة على هذا التنظيم الذي سيستفيد من أي فراغ يتركه الجيش السوري.
هي ليست طروحات «التحايل» الأولى التي تقوم بها الإدارة الأميركية ومعها أتباعها في المنطقة من أنظمة الممالك والإمارات العائلية للنيل من سورية عبر التركيز على أن عقدة تيسير الحلول في سورية تبدأ من تنحي الرئيس الأسد، ولن تكون الأخيرة، وخصوصاً أن الاتفاق النووي الإيراني الغربي صار على أبواب الانتقال إلى حيز التنفيذ مع ما يعني ذلك من تثبيت لموقع ومصالح حلف المقاومة وحلقته الذهبية سورية في المعادلة الإقليمية، ومن تكريس لحاجة الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية لهذا الحلف ضماناً لمصالحه وحفظاً للاستقرار في المنطقة، هذه الحاجة التي يبدو أن النظام السعودي بشخص ملِكه أُجبر على الالتزام بها أثناء زيارته الأخيرة إلى واشنطن.
يبحث النظام السعودي عن مكسب ما يخفف وقع انتكاساته على موقعه الإقليمي وعلى موقعه الريادي الوهمي في العالمين العربي والإسلامي، فاجتياحه للبحرين وقمع شعبها واعتقاله وقتله لم يخمد ثورة هذا الشعب السلمية الحضارية، وعدوانه الجوي وحصاره البحري واجتياحه البري بالتعاون مع مرتزقة الإمارات لم يمكنه من تركيع الشعب اليمني ولم يدفع هذا الشعب للقبول باستمرار انتداب النظام السعودي التاريخي عليه وعلى مقدراته وحاضره ومستقبله، إضافة إلى إخفاق هذا النظام في اجتذاب حالة ما يسمى «الإخوان المسلمين» المتماهية مع المشروع التركي إلى حظيرة الولاء المطلق له لاستخدامه وتأثير ذلك على تحالفه المفترض مع مصر، مع ما يرافق ذلك من قلق سعودي وإسرائيلي نتيجة قراءات عبر عنها دبلوماسيون أميركيون حول المخاوف من انفجار الوضع الأردني على خلفيات مطلبية اجتماعية واقتصادية والتحاقه بما سمي «الربيع العربي».
قد تصح تسمية السعودية «مملكة القلق»، فهي لم تكن مهيأة لملاقاة مثل هذه التطورات الدراماتيكية والإستراتيجية في المنطقة واستيعاب تداعياتها عليها وخصوصاً أنها جاءت في لحظة داخلية مربكة نتيجة استيلاء الملك سلمان على السلطة فيها واستبعاد بقية مراكز النفوذ في العائلة، إضافة إلى الاندفاع المتهور لفريقه في مقاربته لأحداث الإقليم مما يُعقد إمكانية تراجعها وتسليمها بالوقائع الثابتة المتجددة، وخصوصاً في سورية التي لا يمكن من دونها ومن منطلق موقعها العربي المنفتح على إيران فتح أبواب الحلول.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن