ثقافة وفن

النجاة غرقاً… وصف لواقعٍ ألمَّ بالإنسان السوري في قصص قصيرة…قصص جاءت بين وصف الحال وصناعة الهدف

عامر فؤاد عامر : 

«… لسنا أكياس رملٍ ولا جذوع أشجارٍ يابسة يرمى بها كي يخفّ الثقل عن المركب… نحن بشر، لقد جئنا إلى هنا بأموالنا… أيها اللصوص… هل أتيتم بنا لتسرقونا وتقتلونا يا سماسرة الأرواح؟ أعيدونا إلى الشاطئ ما دمتم لا تستطيعون تحمّل مسؤوليتنا، نحن لم نطلب منكم ماءً ولا طعاماً… فقط أوصلونا إلى برّ الأمان… الناس يموتون بين يديّ وأنتم لا يهمكم سوى رمي الجثث في الماء… هل أنتم وحوش؟».

التطرق للهموم
هذه الكلمات موجز تحدد مسار قصّة قصيرة أخذت عنوان «النجاة غرقاً» لتكون عنواناً للمجموعة القصصية التي كتبتها الأديبة «حنان حلبوني»، ويتألف كتابها من مجموعة من القصص القصيرة جاء عددها خمساً وعشرين قصة، وتناولت فيها مواضيع إنسانية تخصّ الواقع والمجتمع بصورة مباشرة، فقد لا مست فيها متاعب وجراحاً بات فيها إنسان اليوم كثير الشكوى والتذمر منها، فقدمتها بصورة أدبية مباشرة فيها القليل من الصدمة لتعري حقائق قاسية كان الإنسان يقاومها بقوة في السابق وما زال لكنه اليوم أصبح يقاومها بتحدٍ أكبر وبمعاناةٍ يشترك فيها مع الناس من حوله.

العدل في النهاية
«… كلمح البرق يضرب الأعناق فتتدحرج الرؤوس، اعتاد هذا العمل وصار جزءاً من حياته وطغى على كل تفاصيل شخصيّته، حتى إنه أهدى ابنته في ليلة زفافها رأس خطيبها السابق، وقطع رأس كلب جاره منذ أيام لأنه أزعجه بنباحه» مقطع مثير الوصف من قصة «قاطع الرؤوس» وهذه القصة تحاول «حنان حلبوني» التطرق لموضوع قد لا يقدم عليه قلم الأديب، لكنها بهذا الإقدام جعلت من القارئ أكثر جرأة في فهم صيغة من حياة نوّعية شبّهت بالبشر! فتهزأ منه دون أن تستخدم أوصافاً أو كلمات مباشرة بل سياق القصة يقود نحو الهدف فقد كانت نهاية هذا السفاح على يدّ ابنه إذ تنتهي القصة: «مرّت الأيام والرجل على حاله إلى أن جاء ذلك اليوم؛ حيث اقتحم رجلان ملثمان البيت ودخلا الغرفة واقتاداه إلى مكان عمله، أركعاه أمام قاطع الرؤوس، نظر إلى وجهه النظرة الأخيرة فإذا به يرى وجه ابنه، لمع السيف عاكساً نور شمس الصحراء ثم هوى بقوّة…» وهي نهاية منطقية لحياة شخصٍ انسجم كثيراً مع مهنته فلا بدّ للحياة أن تقدم له صورة منسجمة مع إخلاصه لمهنته الغريبة عن اللغة الإنسانية.

تعبير العناوين
في المجموعة المزيد من العناوين اللافتة التي ربما تعكس صورة واضحة عن المضمون مثل «موسم اغتيال الورود» التي تروي حكاية حبّ ممزوجة بالندم والبكاء، وقصّة «مزاد علني» وإسقاطاتها بين حريّة العصفور وحريّة البشر، وقصة «رحلة كفّ» التي تصف معاناة امرأة فقدت كفّها أثناء التفجير، وما يراودها من أفكار ومقاربات كتشتت دول الوطن العربي، وتفرقها، كما تفرقت أصابع يدها، وكثير من العناوين التي حملت معاني متنوّعة وأفكاراً جاءت من واقع قريب جداً منّا، ومن همومنا ومعاشنا عبر سنواتٍ قريبة ازدادت فيها معاناة الإنسان بسبب ظروف ألمت به وضاقت بأحواله.

ملاحظات
المجموعة من إصدارات وزارة الثقافة، الهيئة العامة السوريّة للكتاب، جاءت ضمن سلسلة قصص قصيرة «37»، وقد حمل الغلاف تشابهاً واضحاً بين ما حملته القصص من معانٍ والعنوان الرئيس للمجموعة فكانت كلمة النجاة ملوّنة بالأحمر كإشارة للخطر والإنذار به، وكلمة غرقاً جاءت مرسومة بطريقة الغريق في الماء وكأنّها سفينة هوت بين أمواج المحيط، وفي الأسفل كانت صورة الكفّ سوداء وحيدة وخارجة من الماء تلوح للمجهول. المجموعة لم تحمل مقدّمة من الكاتبة «حنان الحلبوني» لكنها إن كانت تحمل قصداً من ذلك فكل الإشارات في الغلاف والعنوان وعناوين معظم القصص فيه هي مقدمة واضحة للهدف من تقديم هذه المجموعة القصصية القصيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن