ثقافة وفن

في قضية اللاجئين السوريين أوساط ثقافية فرنسية…آرون وسارتر توافقا معاً في القضايا الإنسانية رغم خلافاتهما

مها محفوض محمد : 

هل كنا نحتاج إلى صورة الطفل الغريق إيلان ملقى على شاطئ البحر بعد أن قذفته الأمواج ليهتز الضمير العالمي الذي سبق أن هزته صورة ضحايا كثيرين قبله من دون أن يصحو عند من يقفون وراء هذه الكوارث والمآسي.
منذ أربع سنوات يموت السوريون في عباب البحر بعد هربهم من عدوان الإرهاب ولم يتحرك أحد في الغرب، هم لا يهمهم موت الطفل ولا الآلاف غيره من السوريين بل يقفون في وجه تدفق اللاجئين إلى أوروبا الذي أربكهم وخلق حالة من الفوضى في أوروبا لتسارع بعض دولها إلى مناقشة مشكلة اللاجئين ليس حبا بهم وإنما كما فعلت ميركل لاستغلال هؤلاء في سد حاجة بلادها من اليد العاملة والاستفادة من الطاقات السورية وخاصة الشباب منهم.

في فرنسا أجري استطلاع منذ يومين فقط فوجد أن 56% من الفرنسيين يعارضون استقبال اللاجئين السوريين وكانت هذه النسبة لم تتراوح أعمارهما بين 18- 24 عاماً وترتفع النسبة إلى 63% للفئة بين 35- 49 عاماً في الوقت الذي يتساءل فيه كثيرون عن دور المثقفين الفرنسيين.
مجلة نوفيل أوبسرفاتور كتبت مقالاً بعنوان: أين سارتر وآرون اليوم؟ فمنذ أربعين عاماً كانت مأساة بحر الصين الذي غرق فيه لاجئون آسيويون من فيتنام وكمبوديا، يومها تحركت النخب الثقافية الفرنسية بقوة حيث اجتمع جان بول سارتر وريمون آرون المفكران المتعارضان، آرون الليبرالي من اليسار الديغولي معاد للماركسية بتطبيقها الشيوعي وسارتر الذي قال جملته الشهيرة: «كل من ليس مع الحزب الشيوعي والمعسكر الاشتراكي فهو كلب».
لكن الخصمين وضعا خلافاتهما السياسية جانباً وتصافحا وجاء الاثنان إلى قصر الإليزيه لتحذير الرئيس جيسكار ديستان من عواقب هذه الكارثة وعقدا مؤتمراً صحفياً في مدخل الإليزيه قال فيه سارتر: حقوق الإنسان تفرض منطقياً أن نقف إلى جانب هؤلاء من وجهة نظر إنسانية وأخلاقية وإثرها استقبلت فرنسا أكثر من 120000 لاجئ فيتنامي وكمبودي.
يقول الكاتب: اليوم لم يعد في فرنسا قامات بحجم سارتر وآرون ليجتمعوا في وحدة مقدسة من أجل قضية نبيلة فبعد أربعين عاماً يلقى اللاجئون حتفهم في مياه المتوسط والعالم يصمت والمثقفون لا يبالون أين شعب حقوق الإنسان والمواطن؟ هل سيبقى متفرجاً على تفتيت بلدان الشرق الأوسط وإفريقيا؟ هل سنبقى من دون صوت بعد الذي حصل؟ قبل أربعين عاماً كان العالم منقسما بين معسكرين شرقي وغربي العالم الحر والعالم الشيوعي ألا يدفعنا ذلك للقول كان من الأسهل علينا اختيار المعسكر، أليس هناك إنذار لأوروبا أنها لم تعد ثابتة على قيمها الإنسانية وإرثها الأخلاقي، إننا حيال صدام حضارات ينبئ بحرب عالمية ثالثة.
كذلك تعالت بعض الأصوات لبعض المثقفين والفنانين منهم الروائية الفرنسية كريستين آنغو وهي المرشحة الأولى لجائزة غونغور لعام 2015 عن روايتها «حب مستحيل» عبرت الكاتبة عن تأثرها العميق قائلة: تألمت كثيراً لرؤية هذا الطفل الملقى على الشاطئ وكان للصورة وقع أليم علي ولم أعد أجد العبارة المناسبة عنها إنها مأساة فظيعة.
شارل أزنافور المغني والمؤلف الموسيقي فرانكو- أرمني الشهير وهو دبلوماسي يقيم في جنيف وسفير أرمينيا هناك كما أنه الممثل الدائم لأرمينيا لدى اليونيسكو منذ عام 1995 يبلغ من العمر 91 عاماً عبر عن ألمه الشديد لما يحصل ودعا إلى تقديم أماكن سكن لائقة للاجئين في فرنسا وهي ليست المرة الأولى التي يظهر فيها الفنان التزامه بهذا الموضوع فقد غنى في الربيع الماضي أغنيته «سأبقى هنا» وفيها تعبير وإحساس بمشلكة ما سماه «تصحر المخيمات» وقد اقترح ازنافور بناء قرى صغيرة خاصة لتوطين اللاجئين وقال مؤخراً للصحافة: لقد اتصلت بالرئيس هولاند وسمعني لكنه لم يفهمني.
أوساط ثقافية أخرى عبرت عن غضبها من طريقة التعامل مع اللاجئين في بيان وجهته إلى محافظ باريس بالقول: لقد صدمنا بقوة جراء هذا التعامل غير اللائق بقيم جمهوريتنا الذي يسخر من اتفاقيات جنيف حول حق اللجوء في إعلان حقوق الإنسان، نحن شخصيات من الأوساط الثقافية نتوجه إليكم للتدخل السريع في مشكلة اللاجئين الذين يعيشون في الشوارع وينامون على أرصفة عاصمتنا حيث كان قسم كبير منهم يخيم في محطة ميترو لاشابيل لكنهم تبعثروا بعد أن مارست عليهم قوات حفظ النظام عنفاً شرساً فذهبوا إلى حديقة إيول في الدائرة الثامنة عشرة في باريس ليتم إخلاؤهم أيضاً من الحديقة في 19 حزيران الماضي، الوضع الصحي والأمني لهؤلاء يتدهور يوماً بعد يوم وكم من مرة جاءت زمر من جماعات اليمين المتطرف لترويع هؤلاء وإرهابهم، امرأة تغادر مركز الحجز لتضع مولودها ثم تعود بعد يومين مع الرضيع إلى الشارع، ناهيك عن الأمراض التي تسببت بها ظروف العيش هذه من جرب وجدري وسل في أماكن تكثر فيها الفئران والفضلات، إنهم يعيشون في ظروف مرعبة من انعدام الأمن ومحاولات عصابات مافيا تشغيل النساء الصغيرات في الدعارة.
نحن قلقون من هذه الأوضاع التي يخجل منها تراثنا الإنساني ونحن حائرون أمام لا مبالاة السلطات العامة وكفنانين وشخصيات ثقافية نطلق نداءنا رسمياً لاحترام كرامة اللاجئين.
كاترين دونوف الممثلة الفرنسية الشهيرة عبرت عن حزنها أيضاً إزاء التعاطي مع هذه المأساة وخاصة من تشييد هنغاريا حاجز الأسلاك الشائكة لمنع اللاجئين من العبور قائلة: ما هذه الأنانية الكبيرة في أوروبا أنا لا أفهم برودة الاتحاد الأوروبي في رد فعله على هذا الموضوع الذي يقلق العالم.
الفنان الشهير وليم كريستي قائد الأوركسترا الفرنسية- الأميركية قال: يجب إظهار «الحضارة» فالصورة عندي أن فرنسا تعتز بانسجامها مع مبادئها الكبرى، كريستي البالغ من العمر سبعين عاماً ألح بشدة على إبراز قيم هذه الحضارة أمام اللاجئين.
الروائية البريطانية: ج. ك رولينغ مؤلفة السلسلة الشهيرة هاري بوتر تسائل حكومتها وهي متأثرة جداً بالقول: إذا لم تتخيلوا أنفسكم على متن هذه القوارب فهذا يعني أن شيئاً ما ينقصكم، ودعت الكاتبة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون لاتخاذ إجراءات أفضل حيال اللاجئين وقد استفادت الروائية التي تحدثت باسم عالم الثقافة من منبر حسابها على تويتر الذي يصل عدد مشتركيه إلى 5.3 ملايين مشترك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن