قضايا وآراء

إدارة ترامب الشعبوية العنصرية والفوضى العالمية

| د. قحطان السيوفي

المشهد الحالي في العالم الغربي بأحداثه وظواهره السياسية والاقتصادية والاجتماعية يشير إلى تحول ما من الديمقراطية إلى الشعبوية، مظاهر المشهد يمكن اختزالها بالشعبوية من جهة والإرهاب من جهة أخرى وكلاهما يلتقي في تدمير القيم الديمقراطية في العالم. الليبرالية تحولت إلى نوع من دكتاتورية أحادية، بعدما كانت دعوة لحرية الفرد وحقوق الإنسان.
ظاهرة اليمين المحافظ والشعبوية في المجتمعات الغربية تجلت بفوز دونالد ترامب بالرئاسية الأميركية وبدعواته العنصرية لطرد الأجانب من أميركا، وبعض الأميركيين يعتقدون بالانعزالية في مجتمع كان رائداً في إنتاج وتصدير كل مظاهر العولمة، على أن وصول ترامب إلى سدة الحكم، يؤكد أن هناك ظهيراً فكرياً لهذه المواقف السياسية غير المنضبطة، فالسياسات المحافظة والرغبة في استعادة أسوار العزلة وضرب فلسفة العولمة طفت على السطح مع وصول ترامب إلى السلطة الذي يعتبر نهاية لحقبة زمنية، وبداية لعهد من العنصرية والانغلاق بغض النظر عن الشعارات الجوفاء التي تدعيها واشنطن كغطاء لأطماعها وفرض سيطرتها على العالم.
لقد هز ترامب العالم بقراراته المتهورة ومنها نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وشفط أموال حكام نفط الخليج العربي الذين حرضهم على مواجهة إيران وشدد العقوبات على إيران وسورية وروسيا، إضافة إلى صدمة شبح الإرهاب والبطالة والأزمات الاقتصادية، ويكيل المجتمع الدولي الاتهامات بالديكتاتورية وانتهاك حقوق الإنسان لترامب، رئيس أكبر دولة في العالم، نصبت نفسها رقيباً أو شرطياً لقد برر ترامب بعض قراراته زاعما أنه سيعمل على محاربة الإرهاب علما أن تنظيم القاعدة وداعش الإرهابيين، هما صنيعة أميركية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط والسيطرة على ثرواته، وهذا ما اعترفت به وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، وأكده ترامب خلال حملته الانتخابية. إن ما يحدث في سورية والعراق من إرهاب ودمار هو بتدبير وتنفيذ أميركا وحلفائها في أوروبا والشرق الأوسط. وفرت الولايات المتحدة الملاذات الآمنة لرعاة الإرهاب الحقيقيين داخل أراضيها بدعوى الحرية والليبرالية وحقوق الإنسان ويبدو انتخاب ترامب وكأنه نتيجة لتصاعد عدم المساواة، وبمنزلة توبيخ لمقاربة تكنوقراطية للسياسة غير مهتمة باستياء أولئك المهمشين اقتصاديا الإحصاءات تشير إلى أن الفئة الأعلى التي تشكل نسبتها 1 في المئة حصلت على 28 في المئة، من الزيادة الكلية في الدخل الحقيقي في كل من الولايات المتحدة وكندا وأوروبا الغربية.
وحصلت الفئة الدنيا التي تشكل نسبتها 50 في المئة على ما نسبته 9 في المئة فقط من ذلك الإجمالي: إنها شعبوية حكم الأغنياء التي أصبحت سمة مميزة للولايات المتحدة المعاصرة، البلد الذي يدعي المناداة بالديمقراطية الليبرالية.
بالمقابل المؤسسات الدولية فصل آخر في صراع أميركا والعالم النامي، فقد أعلن عالم التمويل الإنمائي كيم يونغ كيم، الأميركي الكوري، فجأة أنه سيترك منصبه رئيساً للبنك الدولي قريبا جداً، وسينتقل إلى شركة قطاع خاص في البلدان النامية، استقالته المفاجئة قبل موعد انتهاء فترة رئاسته تشعل معركة بين إدارة ترامب والعالم النامي الذي يسعى إلى إضعاف القبضة الأميركية على رئاسة البنك الدولي.
إدارة ترامب تشكك علنا في جوانب عمل المؤسسات المتعددة الأطراف، التي تسعى الولايات المتحدة لإبقاء سيطرتها باختيار شاغلي المناصب العليا فيها.
ومع أن الولايات المتحدة حظيت بسيطرة متواصلة على رئاسة البنك الدولي. فإن مجموعة البلدان النامية تعارض أولوية الولايات المتحدة وأوروبا في مؤسستي بريتون وودز، إذ إن قرار إدارة ترامب يُبشر بعصر الفوضى العالمية، الانسحاب من معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى، التي وُقِّعَت عام 1987 بين واشنطن وموسكو، خطوة حاسمة على طريق تفكيك بنية العلاقات الدولية التي قامت على مؤسسات دولية وتحالفات ومعاهدات واتفاقيات مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ترامب لم يخف منذ حملته الانتخابية نيته الانسحاب من التحالفات والمعاهدات والاتفاقيات بهدف ترسيخ الهيمنة الأحادية الأميركية على العالم، وفي هذا السياق جاء الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني ومعاهدة الحد من منظومات الصواريخ المضادة للصواريخ، سيؤدي ذلك إلى اشتداد التنافس واستعار الصراعات بالوكالة ودخول العالم في حقبة فوضى مفتوحة يصعب التنبؤ بمداها.
إنّ إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، على الرغم من اتهاماتها لروسيا بتطوير ونشر أسلحة نووية تكتيكية، لم تنسحب من المعاهدة. الخلاف بين مواقف الإدارتين هو في الحقيقة خلاف بين مقاربتين أميركيتين لمستقبل الدور الدولي للولايات المتحدة. وبينما ترى الأولى التي كان أبلغ المعبّرين عنها، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر زيبينغو بريجنسكي، أن على الولايات المتحدة أن ترتضي بموقع «الأولى بين متساوين» في علاقاتها مع القوى الدولية الأخرى، وتعترف لهؤلاء بدوائر نفوذ إقليمية على الأقل وأن تحترم المعاهدات التي عقدتها معهم، أصرت إدارة ترامب، المقاربة الثانية، على حفاظها على تفوقها العسكري النوعي، ساعية للتحلل من أي معاهدات أو اتفاقيات، حيث كان أوباما يتبنى المقاربة الأولى، على حين يتبنى ترامب الثانية بالمقابل واستجابة لدعوة أطلقتها صحيفة «بوسطن غلوب» الأميركية التي نشرت 350 صحيفة في الولايات المتحدة مقالات افتتاحية تندد بهجمات ترامب على وسائل الإعلام، وأجمعت الصحف على أن هجمات ترامب المتكررة على الصحفيين ووسائل الإعلام «غير مبررة، وخطر على الديمقراطية ووصفت صحيفة «نيويورك تايمز» ترامب بأنه «خطير على العصب الرئيسي للديمقراطية.
أحد أهم وجوه الفلسفة السياسية المعاصرة وأستاذ الفلسفة السياسية في جامعة هارفارد مايكل ساندل يقول: «الشعبوية نتاج غياب العدالة الاقتصادية، وردة فعل لتطرف سياسات الهوية، ترامب التهديد الأعظم للنظام الدستوري الأميركي. يستخف بمعايير الديمقراطية».
بعضهم يقول إن شعبوية ترامب تؤسس لديكتاتورية مستبدة وهناك صراعات بين هذه الأخيرة، وما يسمى الديمقراطية الليبرالية، سياسة ترامب أدت لتراجع الديمقراطية السياسية وأضعفت الرأسمالية الاقتصادية ما أدى إلى ضعف وفقدان الإيمان بالديمقراطية في الولايات المتحدة في زمن ترامب الذي يُظهر العداء للتجارة الحرة وللتمويل العالمي. إن عدم المساواة المتزايد يؤدي للقضاء على الديمقراطية، والفوضى في النهاية في ظل سياسة ترامب الشعبوية العنصرية المتخبطة التي تشكك علناً في جوانب عمل المؤسسات الدولية، وتنسحب من الاتفاقات الدولية.
يبدو أن زواج الرأسمالية والديمقراطية يمر بفترة عصيبة جدا، ما جعل العلاقة بين الديمقراطية الغربية بشكلها السياسي، والرأسمالية بشكلها الاقتصادي أقرب إلى الفوضى العالمية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن