من دفتر الوطن

الأدب.. وقلة الأدب!

| عصام داري

يقال إن أديباً مصرياً معروفاً كان يقود سيارته من طراز «فولكس فاكن» السلحفاة على الكورنيش في القاهرة، وعلى إشارة المرور مرت سيارة فارهة من طراز«مرسيدس» التمساحة، فغمزته بعينها وقالت ساخرة: أستاذ، هل لاحظت الفرق بين الأدب وقلة الأدب؟
فأجاب ساخراً: عرفت ذلك من زمن بعيد، لكنني لا أملك القوام الرشيق الذي يجعلني عروسة سكر سهلة الهضم يشتهيها الجميع!
عندها أضاء اللون الأخضر وسارت السلحفاة في اتجاه، والتمساح في اتجاه آخر، ولم يلتقيا بعد ذلك ولا في الأحلام.
هل دائماً قلة الأدب تقود إلى المناصب، والأدب يسحب صاحبه إلى أسفل السافلين؟ وهل من عمل في الأدب والفكر والفلسفة والكتابة عاش حياة الكفاف أم إن هناك من ابتسم له الحظ وصار مشهوراً وثرياً؟
طبعاً لكل قاعدة استثناءات، لكنني لا أظن أن أديباً بلغ فيه الثراء أن يطلب من دولته السماح له بالتنقيب عن النفط، وهذا حدث في مصر منذ سنوات، ولم يصل أديب أو كاتب أن بلغ من الكسل إلى الدرجة التي جعلته يستخدم مصعداً لسيارته ليصل إلى غرفة نومه مباشرة من دون اضطراره لصعود الدرج، وهذا حصل أيضاً في مصر!
يبدو فعلاً أن قلة الأدب تدرّ على صاحبها الملايين، على حين لا يجني ممتهنو الأدب سوى «الملاليم» لكن ذلك ليس قلة الأدب وحدها التي تدر الملايين، بل أيضاً هناك العديد من«المهن»!: التي يصبح أصحابها من أصحاب الملايين والمليارات، منها لعبة كرة القدم على سبيل المثال.
منذ أيام نشرت وسائل الإعلام الغربية والعربية خبراً عابراً يقول إن اللاعب المصري الأشهر محمد صلاح (وسّع أسطوله من السيارات) بطرازين جديدين، ونبارك له هذه الخطوة ويستحق الرجل!
لكن صلاح لم ينس أهل قريته فهو يتبرع لها لإقامة مشاريع لتطويرها، والسيارات ليست بذات بال إذا ما عرفنا أن العديد من لاعبي كرة القدم يملكون طائرات خاصة، بل إن كريستانو رونالدو أهدى صديقاً له جزيرة في اليونان بمناسبة زواجه، وأنا أهدت قريبة لي طقم صحون بمناسبة زفافي!
اللهم لا حسد ولا «ضيقة عين» كما نقول في لهجتنا الدارجة، لكنني أعرض المهن التي تدر على أصحابها الملايين، والمهن المحترمة، ومنها الإعلام، التي لا يكفي مردودها المالي في أواخر العمر ثمن الأدوية والخبز الحاف!
مع كل ذلك فهناك مهن «مستورة!» تجعل الشخص مليارديراً في زمن قياسي، منها الرشوة والسرقة والاختلاس من المال العام، و(لا مين شاف ولا مين دري) وإذا اكتشف أمر هذا الحرامي يتم كف يده ومسامحته بالمليارات التي سرقها علنا، وكأنه ما فعل شيئاً، بل يتم نقله في أحيان كثيرة من وظيفة يكسب منها القروش، إلى وظيفة تدر عليه الألوف!
والخلاصة أن مهنة قلة الأدب التي بدأت حديثي بها، أفضل بمليون مرة من مهنة لص بكامل أناقته وعطوره، فقلة الأدب هنا أشرف من كل أدب يقف وراءه لص وفاسد، والله أعلم!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن