اقتصاد

الأربعاء «الاستثنائي»

| علي محمود هاشم

ليس لـ «الأربعاء» الكثير من الذكريات الطيبة مع الاقتصاد الوطني، فتاريخياً، يوصم هذا اليوم بـ«النحس» في بعض الثقافات الشرقية، فيما تذهب أخرى إلى وصفه بـ«يوم لا أخذ ولا عطاء»!.
خلال السنوات الأخيرة، كان لـ «أربعائنا» علاقة متباينة مع قصة «الأخذ والعطاء» تلك، ففي سلسلة من مسائياته التصديرية الأسبوعية التي أقيمت قبل نحو ثلاث سنوات، قضت الحكومة ردحاً في تقلّيب برنامجها الشهير «الصناعة للتصدير»، وبعد لأي، كانت النتيجة: أخذ الوقت وأعطانا الانتظار!.
كان للتجار «أربعاؤهم التجاري» أيضا، وعبر منصته الأسبوعية المستمرة منذ سنوات، استطاعوا انتزاع ما أرادوه من الاقتصاد الوطني: أخذوا كل شيء، ولم يعطوا شيئاً!.
عبر نسخة جديدة من «الأربعاء»، الاستثماري هذه المرة، تتلهف الحكومة إلى حلّ للانقطاع المزمن في التعافي الإنتاجي، وبالرغم من أهمية الفكرة، فإن مخاطرتها مع هذا اليوم لا تزال مفتوحة على الاحتمالات: ما الذي قد تعطيه؟ ولمن؟ وما قد يجنيه الاقتصاد الوطني؟ ومتى؟
من حيث المبدأ، لا تجدر مواجهة نجاح الحكومة في تحييد المشاعر السلبية التقليدية إزاء التلاقي المباشر بين مستوياتها الرفيعة وبين المستثمرين، بالنكران، وخاصة بعدما ابتنت الحرب والعطالة الذاتية لبعض مؤسساتها؛ جداراً طوّق الاستثمار وضاقت به روح الاقتصاد الوطني.
تبدو اليوم آلية التلاقي المباشر التي لطالما أدار من خلالها رئيس مجلس الوزراء مسؤولياته بنجاح في سنوات خلت، كمناورة استثنائية لحوحة تتكئ إلى المجرّب لتحريك البيئة الاستثمارية المعنّدة في ركودها راهناً.
على الطرف الآخر، ومن القليل الذي نقل عن مجريات «الأربعاء الاستثماري» خلال أسابيعه الثلاثة الماضية، أخذ الجميع علماً بأن معاناة الاستثمار الوطني اليوم، تبدأ بالطريق.. والمياه.. والكهرباء.. والصرف الصحي.. والأوراق.. هذا كله ولم نصل بعد إلى مشكلات التمويل والأسواق وطوارئ النقد، وبأن بعض مشاريعنا التي انتهت مدة ترخيصها قبل أن يُسمع صوت آلاتها، كان قد ركلها موظف هنا أو آخر هناك بقلمه الجاف من المبادرة، ومع ذلك، فغريمها هذا لن يكون بمقدور الاقتصاد الوطني تحميله المسؤولية عن فوات عوائدها العزيزة خلال سنوات الحرب، لأن قوانينا، وأجهزتنا الرقابية، تسهر على ملاحقة المبادرة، لا الإحجام عنها!.
إحدى نتاجات «الأربعاء الاستثماري» الجانبية الأخرى، تتعلق بانكشاف عجز النقابات عن القيام بدورها كقناة للتوصيل والتخامد بين القطاعات التي تمثلها، وبين المؤسسة الحكومية.
في المحصلة، كشف «الأربعاء الاستثماري» عن أن معضلة النهوض الإنتاجي ليست ذات علاقة جذرية بالحصار، ولا بالتمويل، ولا بالإحجام وفق مذهب «رأس المال جبان»، بل في ذلك البرود الذي يسري داخل شرايين الحكومة وأوردتها، كما كثّف الحقائق حيال معاناتنا عجزاً بنيوياً يبدأ بالأبواب الإدارية والنصوص القانونية وقنوات تمريرهما من سطور الأوراق الرسمية إلى تضاريس الأرض الوعرة، يضاف إليها منغصات البنى التحتية المتهتكة ونواظم الترخيص والعطالة الذاتية المغلفة بلا مبالاة جياشة متغلغلة في بعض المؤسسات المعنية بمكملات البيئة الاستثمارية.
هذه الطريق المعبدة بالمعوقات لا يمكن لها أن تكون سبيلاً للتعافي.. ولربما لهذا لم يجد رئيس مجلس الوزراء بُدًّا من الجلوس وجها لوجه مع المستثمرين، لقطع الخطوة الأولى.
مع ذلك، وبغض النظر عن أهميتها التراكمية، فإن هوامش المتناقضات التي ظهّرتها «الأربعائيات الاستثمارية» عبر جلساتها الثلاث، تثير التساؤل حول عدد «الأربعاءات» التي سيحتاجها لاستنهاض نحو 160 ألف منشأة متوقفة عن العمل: هل ثمة جلدٌ كافٍ؟.. وقت كافٍ؟!.
هوامش المتناقضات تلك، سترخي أيضاً بظلالها على بعض البرامج الحكومية، كالـ 40 مليار ليرة التي تم تخصيصها لدعم الفائدة المصرفية الموجهة لـ«صالجادين» من طالبي القروض الإنتاجية، ليتجدد السؤال: ستعطي.. فماذا ستأخذ؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن