قضايا وآراء

محاكاة السيناريو الليبي في سورية

عبد المنعم علي عيسى : 

منذ مطلع آب الماضي أخذت تتبلور ملامح مؤشرين مهمين، بل هما على درجة عالية من الخطورة أحدهما يمثل تصعيداً لمحور، بينما الثاني يمثل رد فعل على التصعيد السابق بمعنى التصدي له ومواجهته وهو ما يتخذه المحور الروسي الإيراني الداعم لدمشق على عاتقه.
في 15 آب 2015 صرح أوميغ برومولوك نائب وزير الخارجية الروسي لشؤون مكافحة الإرهاب «هناك وحدات عسكرية خاصة تعمل على الأراضي السورية وهي تعود لدول معادية لدمشق ويرتبط عملها بشكل وثيق بالاستخبارات الإسرائيلية».
لم يتأخر اتخاذ القرار في كل من موسكو وطهران فقد أعلنت الأولى وللمرة الأولى منذ بدء الأزمة السورية عن تبادل قائم لصور الأقمار الاصطناعية مع دمشق 28/8/2015 ثم عن تشكيل لجنة أمنية مشتركة روسية سورية تلاها مباشرة الإعلان عن قدوم العشرات من الخبراء العسكريين الروس.
مما سبق يمكن القول إن المشهد السوري يتجه نحو قواعد لعبة جديدة في المنطقة وتحديداً بيضة القبان فيها الأزمة السورية.
جاءت القرارات السابقة رداً على التصعيد الذي بدأت «تباشيره» منذ أن تم الاتفاق الأميركي التركي أي بعد نحو أسبوعين من اتفاق فيينا 14/7/2015 ولأن واشنطن لم تكن تراهن أساساً على إمكان إخفاء أمر من العيار الثقيل كوجود قوات خاصة أميركية تعمل على الأراضي السورية فقد سربت الاستخبارات الأميركية خبراً صغيراً إلى الواشنطن بوست التي نشرت تقريراً مفصلاً عن تلك القوات والمهام المنوطة بها 1/9/2015 مدرجة وجودها في إطار تغيير نمطية الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، وما يميز النمطية الجديدة هو الطابع الاستخباراتي للحرب بالدرجة الأولى حيث يشير العديد من التقارير عن قيام واشنطن على مدار الشهرين الماضيين بتهيئة مستلزمات تلك الحرب وفي إطار هذه العملية الأخيرة زاد بدرجة كبيرة عدد العناصر البشرية العاملة على الأرض، كما زادت طائرات المراقبة في الجو وأغلب الزيادة هنا تقوم على استقدام طائرات من دون طيار حديثة يقول المحلل الأميركي (روبرت ماير) إن بإمكانها تقفي آثار عناوين الـ(IP) لأجهزة الكمبيوتر، وتقفي كل أشكال الاتصالات من شبكة اللاسلكي والاتصال من شبكة الجوال اللاسلكية أيضاً.
ترى واشنطن أن هذه النمطية الجديدة ناجعة جداً وخصوصاً أنها قد حققت على مدار الأشهر السابقة العديد من الضربات النوعية المهمة، ففي 16 أيار 2015 استطاعت وحدة كوماندوس أميركية كانت قد أقلتها مروحية قدمت من الأراضي العراقية إلى مدينة دير الزور من اغتيال أبو سياف واعتقال زوجته الذي كان يسمى المسؤول المالي للتنظيم وفي 18/8/2015 تمكنت طائرة من دون طيار من اغتيال حاجي معتز (فاضل أحمد الحيالي) بالقرب من الموصل والذي كان يصنف أنه الرجال الثاني في داعش، وفي 20/8/2015 وبالطريقة السابقة نفسها تم اغتيال جنيد حسين في الرقة الذي كان يوصف بأنه العقل الإلكتروني لهذه الأخيرة أيضاً.
وبذلك أصبحت الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية تقوم على ثلاثة محاور:
الأول: الضربات الجوية التي تنفذها طائرات التحالف ضد مواقع التنظيم.
الثاني: عمليات تنفذها مجموعات كوماندوس موجودة على الأرض وهي تستهدف القيادات أو ممن يلعبون أدواراً رئيسية في التنظيم.
الثالث: الضربات التي توجهها القوات التركية وإن كانت هذه الأخيرة قد اتخذت منذ مطلع آب الماضي طابعاً خاصاً يتمثل في سعي أنقرة إلى إخلاء المناطق المجاورة للحدود السورية التركية من سكانها تمهيداً لإعلانها منطقة آمنة بعد أن تكون قد خلت تماماً من أي وجود بشري.
لربما ارتأت واشنطن أن فشل السيناريوهات السابقة بما فيها إمكان استقدام قوات عربية برية لمحاربة داعش في سورية هو أمر يستدعي العودة إلى محاكاة السيناريو الذي قامت به قوات الناتو صيف العام 2011 وخريفه في ليبيا.
كان تصريح جون كيري 3/9/2015 الذي عبر فيه عن ثقته بأن الدول العربية سوف تقدم على إرسال قوات برية إلى سورية في الوقت المناسب تعبيراً أو دليلاً قاطعاً على إيمانه باستحالة القيام بتلك الخطوة التي تشوبها معوقات بنيوية تتعدى بكثير الخلاف المصري السعودي الذي حصل مؤخراً واستدعى تأجيل البت في تأسيس تلك القوة 5/9/2015، فالقاهرة ترى أن المهام التي يجب أن توكل إلى تلك القوة المزعومة يجب أن يكون في الرأس منها إرسالها إلى ليبيا.
في خريف العام الماضي 2014 تكشف أن سيناريو الحرب على ليبيا قد شهد منذ بداياته في شباط- آذار 2011 عمليات إنزال جوية بريطانية كانت بنغازي مسرحاً لها بدءاً من مطلع آذار 2011 أي قبل صدور القرار 1973 الخاص بالتدخل في ليبيا الذي صدر في 17 آذار 2011، كما قامت الاستخبارات الفرنسية الخاصة هي الأخرى بإنزالاتها في غرب البلاد وقريباً من طرابلس، وعلى مدار الأشهر الستة ما بين آذار حتى أيلول 2011 بدأت تظهر بوضوح الآثار المهمة التي تحدثها العمليات الاستخباراتية وتلك التي تنفذها قوات خاصة أميركية فرنسية بريطانية على الأرض.
كان واضحاً أن عمليات الناتو تتركز في مدينتين رئيسيتين هما رأس لانوف (تقع في خليج سرت على البحر المتوسط) والنوفلية (127 كم إلى الشرق من سرت) اللتان كانتا تشكلان مركزاً أساسياً للعمليات التي يقوم بها تنظيم القاعدة.
هدفت العمليات السابقة التي قام بها الناتو إلى التغطية على النشاط الكبير لعناصر القاعدة وخصوصاً منذ آب 2011 حيث تمكن هؤلاء من السيطرة (في ظل ذلك الغطاء) على الساحة الخضراء وسط طرابلس 21 آب 2011 ثم على باب العزيزية «40كم جنوب طرابلس» في 23 آب 2011 ثم على مدينة سرت (450 كم شرق طرابلس) في 15 أيلول 2011 وصولاً إلى تمكنهم من اغتيال العقيد القذافي 20/11/2011 والإعلان عن سقوط النظام نهائياً.
إذا ما أردنا أن نحسن الظن بقوات الناتو فإننا يمكن أن نقول إن القاعدة في ليبيا كانت تعمل على مرأى من عيونها وبدعم لوجستي منها، أما إذا أردنا أن نكون حياديين فيجب علينا القول إن القاعدة كانت تعمل تحت إشراف وتخطيط الاستخبارات الفرنسية البريطانية الأميركية حتى إن التنسيق بين هذا الثالوث الأخير وبين تنظيم القاعدة كان يتم عبر عبد الحكيم بلحاج شخصياً والذي كان مطلوباً لجميع أضلاع المثلث السابق.
الآن إذا كانت قوات الناتو قد قامت بذلك الدور الحيوي في ليبيا عبر دعم القاعدة للسيطرة على مراكز بالغة الحيوية في ليبيا فهي قد قررت كما يبدو القيام بذلك الدور في سورية عبر المحاور الثلاثة السابقة الذكر عبر تقديمها الدعم للمجموعات المعتدلة وكذلك للمجموعات الدينية المتطرفة ولربما يصل الدعم أيضاً إلى مجموعات تنتمي إلى داعش نفسها.
لا يبدو أن التصعيد الإرهابي الراهن في عدد من المدن السورية بعيد عن إعلان الـ(CIA) عن قيامها بعمليات خاصة على الأراضي السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن