من دفتر الوطن

اعتذار علني

| حسن م. يوسف

ليست الكتابة على الثياب بلغات غير العربية بأمر جديد في مجتمعنا المولع بالتقليد، وقد سبق لي أكثر من مرة أن تناولت هذا الموضوع واستعرضت عبارات معيبة رأيتها لا على ثياب الشباب فقط بل على ثياب الكبار أيضاً. وبما أنني أعتبر التكرار ضرباً من الموت، فلن أعيد على مسامعكم ما سبق أن قلته بل سأروي لكم ما جرى معي قبل نحو عشرة أيام.
كنت أسير في إحدى مدننا السورية عندما رأيت أمامي سيدتين إحداهما ترتدي ثوباً طويلا كتب على أعلاه بحروف بارزة فوق صورة فيل كلمة (Trash). كان هاتفي المحمول في يدي فتعمدت التقاط صورة للسيدة من الخلف بحيث لا يظهر وجهها. ونظراً لأنني ضد الاستلاب الثقافي الذي تمثله ظاهرة الكتابة على الثياب فقد نشرت الصورة على صفحتي في الفيس بوك وكتبت عليها التعليق التالي:
«رأيت هذا المنظر في أحد شوارعنا، سيدة ترتدي ثوبا كتب عليه بالخط العريض: Trash وتراش لمن لا يتقن الإنجليزية تعني: قمامة، زبالة، نفايات، قاذورات، سقط متاع، شخص تافه… الخ. فما رأيكم دام فضلكم».
أثار لسان الحال ردود أفعال شديدة التباين من الأصدقاء، وإليكم فيما يلي عرضاً سريعاً لأهم التوجهات التي اتخذتها التعليقات:
كثيرون أطلقوا حكم قيمة على صاحبة الثوب فوصفوها بـالـ«غباء» وتندروا بحالة التعليم في البلد، «نحن شعب لا يقرأ»، وقد روى أحد الأصدقاء طرفة عن عدم قراءة الناس لما هو مكتوب فقال «عندي صديق وضع لافتة على باب محله (اسحب) لمن يريد الدخول و(ادفع) لمن يريد الخروج، ويفيد أنه قد دخل إلى المكان ما لا يقل عن ثلاثين شخصاً أغلبهم من طلبة الجامعة لكن جميع الداخلين والمغادرين من دون استثناء لم يقرؤوا ما هو مكتوب وكاد أحدهم يخلع الباب…!
بعض زوار صفحتي وجهوا إهانات صريحة لصاحبة الثوب فرأوا أنها «كتبت قمامة على ظهرها كي يتوافق ذلك مع عقلها». وأنه «اسم على مسمى». و«لأنها تعرف من تكون للأسف وما هو مستواها». و«متصالحة مع نفسها الحرمة» و«يمكن أنها تصف أخلاقها» إلخ. البعض أبدوا أسفهم برصانة لجهل صاحبة الثوب وجزموا بأنها لا تعرف معنى ما هو مكتوب عليه. البعض رأوا في الأمر شيئاً محزناً، لأن بعض الناس البسطاء يقومون بشراء الملابس «من السوق أو من البالة من دون معرفة ما هو مكتوب عليها». أحد الأصدقاء طالب بحملة لا لتعريب أسماء المحال والمطاعم فقط وإنما بحملة لتعريب ما يكتب على الملابس أيضاً»!
البعض أشار إلى «التقليد الأعمى والتبعية للغرب» و«التمدن والموضة ووهج الحرف اللاتيني» بعض آخر ذهب إلى ما هو أبعد فرأى أن هذه هي «ثقافة الغرب المخصصة لشعوبنا»، البعض جلدوا أنفسهم «نحن شعب لاقط نحب الغريب» و«هذا مستوانا». بعض آخر جلدني لأنني نشرت الصورة واعتبر أن هذا ليس من حقي. وآخر سألني بخفة دم: هل سيأتي يوم ونشهد فيه ملابسنا المستعملة تباع على البسطة في شوارع أوروبا؟
قلة قليلة دافعت عن حرية صاحبة الثوب إنسانياً. «حرام أن نقيم القصص من هذا المنظور». شخصان فقط وضعا المسألة في سياقها الصحيح، وعندما تتبعت الروابط التي أرسلاها تبين لي أن الصورة التي على الثوب هي جزء من حملة إعلانية ضد أكياس البلاستيك لأن عدداً من الفيلة ماتت بسبب أكلها لأكياس نايلون من القمامة!
صحيح أن قيام سيدة بلبس ثوب مكتوب عليه (زبالة) أمر صادم في مجتمعنا، ومع أن موقفي من الكتابة على الثياب لم يتغير إلا أنني أود أن أعتذر من تلك السيدة ومنكم لأنني خالفت عادتي، ونشرت شيئاً ليست لدي معلومات وافية عنه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن