قضايا وآراء

خريف أوروبا العجوز الشعبوية والهجرة والتقلبات السياسية

| د. قحطان السيوفي

تشهد أوروبا انعداماً للاستقرار جراء تقدم التيارات الشعبوية وبعض الحكومات غير المستقرة وتقلبات أسواق المال، وأيضاً تأييد إدارة الرئيس دونالد ترامب للتيارات الشعبوية في القارة العجوز. المشهد يشير إلى أن طوفان التيارات الشعبوية يهدد الاتحاد الأوروبي وينذر بانهياره. اضطرابات وانقسامات، تعصف بأوروبا وتنذر بتغير وجه القارة العجوز؛ منذ الصعود المتنامي لليمين القومي المتطرف في العديد من الدول الأوروبية، وظهور ملامح انتهاء عصر الأحزاب الوسطية التي حكمت دول أوروبا عقوداً طويلة، مروراً بخروج بريطانيا من الاتحاد، ووصولاً إلى غضب «السترات الصفراء» في فرنسا والمطالبات بإقالة الرئيس إيمانويل ماكرون الذي حذّر من تصاعد تيارات قومية وصفها بـ«الطاعون»، ناهيك عن الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تسببت في معاناة العديد من الدول الأوربية.
صرّح وزير الخارجية الألماني السابق يوشكا فيشر أن «أوروبا توحي لي بشخص يقف على حافة الهاوية، ولم تعد قدماه ثابتتين على الأرض بالمقابل كتب المؤرخ البريطاني (تيموثي غارتون آش) حزيران 2018 في صحيفة «الغارديان» ساخراً أن «ايطاليا مصابة بانهيار عصبي وإسبانيا تواجه مشاكل داخلية وبريطانيا تخرج من الاتحاد وألمانيا قابعة دون حراك… المشكلة في أوروبا سياسية أولاً مع نخب غير مستقرة نتيجة الاستياء المتنامي للشعوب الأوروبية التي باتت مخدرة ومشلولة. ليس هناك دينامية ولا شراكة ظاهرة» بين الرئيس الفرنسي ماكرون والمستشارة الألمانية ميركل غير المتحمسة لخطوات التكامل أوروبي إذا كان ذلك على حساب أموال ألمانية.
التقلبات السياسية الراهنة التي تجتاح الغرب تعتبر بداية لعهد حديد من التغيير الذي يعصف بأنظمة أوروبا، التي دخلت عصراً جديداً، مع صعود الأحزاب الشعبوية، بدأت العملية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي وتسارعت خلال العقد الأول من الألفية، والآن تسفر عن تغير سياسي غير مسبوق.
ستكون الانتخابات الأوروبية المقبلة في أيار 2019 مهمة، وستركز على القضايا الأوروبية أكثر من المسائل الوطنية.
قال المفوض الأوروبي بيار موسكوفيتشي إن الانتخابات الأوروبية المقبلة هي الأهم منذ انتخاب البرلمان الأوروبي عام 1979. لأنها تنطوي «أولاً على رهان وجودي، أي هل لا يزال الأوروبيون قادرين، في عالم فيه بوتين وترامب وشي جيبينغ، على القول إن لدينا نموذجاً خاصاً؟»
المراقبون يشعرون بقلق بالغ على المصير الأوروبي المشترك برمته، بما يهدد بتفكك الاتحاد الذي يضم 28 دولة، ويرى المراقبون أن الأسوأ قادم لا محالة، التساؤلات كثيرة حول: ما المتوقع في أوروبا بعد صعود التيارات المتشددة؟
ما مصير المهاجرين بعد إغلاق أوروبا أبوابها في وجههم؟. المشهد مرعب للقارة العجوز التي تبدو الآن أمام ما يمكن وصفه بـ(الخريف الأوروبي)..
تعتبر الفاشية والنازية والقومية المتطرفة جذور الشعبوية الأوروبية.
ساهم تزايد أعداد المهاجرين في دفع الناخبين في العديد من الدول الأوروبية، للتصويت لصالح أحزاب يمينية متطرفة. بدأ بعض الأوروبيين ينظرون للمهاجرين كمزاحمين لهم في وظائفهم. وتعـد الهجـرة أحـد الأسـس المهمـة في خطـاب اليمـين المتطـرف في أوروبا، بالإضافة إلى زيادة المخاوف عند الكثير من الأوروبيين على هويتهم الثقافية وعاداتهم وتقاليدهم زعماء الأحزاب الشعبوية يشحنون المجتمع لهدم الاتحاد وتفكيكه، فعلى سبيل المثال قامت مارين لوبن في فرنسا بالكشف عن هدفها، في أعقاب تظاهرات «السترات الصفراء» بالقول: «في فرنسا، هدفنا العمل مع حلفائنا، على تكوين أغلبية تنأى عن الاتحاد الأوروبي المتهالك»…
يبدو أن هناك رابطاً بين صعود التيار الشعبوي في أميركا وأوروبا، فوز ترامب فتح الباب أمام صعود الشعبويين فى الدول الأوروبية. ومستشاره السابق ستيف بانون يخطط لإنشاء حركة شعبوية في أوروبا ، وينشط للتأثير على الانتخابات البرلمانية الأوروبية المقبلة. بانون يأمل بتوحيد صفوف الحركات الأوروبية المتطرفة ويمتلك شبكة مهمة من العلاقات مع الأحزاب المتطرفة في العديد من الدول الأوروبية. وجود بانون في بروكسل، مؤشر إنذار خطر لأوروبا، ستظهر نتائجه في انتخابات البرلمان الأوروبي، ولا يُستبعد دوره في مظاهرات باريس . بالمقابل الاتحاد أمام تحديات سياسية واقتصادية وأمنية ضخمة، يواجه الاتحاد اليوم المزيد من الصعوبات والتحديات، في حماية تجربته التكاملية، منها الإرهاب الذي دعمته بعض دول أوروبا والهجرة غير الشرعية،التيار السياسي الاجتماعي الجديد يكتسح التيار التقليدي الكلاسيكي ويحاول مواجهة البنوك والديكتاتورية المالية ، وهنا يقف الاتحاد الأوروبي أمام تحدٍّ وسؤال كبير: هل يصمد الاتحاد؟
الإشكالية الأخرى هي الأزمة الاقتصادية التي لم يستطع الاتحاد الأوروبي الخروج منها، بالإضافة لتحدٍّ اقتصادي دولي متمثل في الصين وروسيا والهند وأميركا.
من أهم أسباب صعود التيار الشعبوي أو «التيارات المتطرفة» أولاً؛ فشل النخب السياسية والاقتصادية التقليدية في توفير الأمن والاستقرار لشعوبها، وثانياً؛ «العولمة» التي أدت إلى تراكم الثروات في أيدي القليلين وتهميش قطاعات واسعة من المجتمع.
وثالثاً «الثورة المعلوماتية» التي أدت إلى زعزعة الأفراد والمجتمعات متعددة الثقافات، تجلى بصراع هويات وحنين إلى الماضي… كان انتخاب ترامب كرئيس للولايات المتحدة يمثل قمة الصعود الشعبوي. هاجم الرئيس ترامب قرار الرئيس الفرنسي ماكرون القاضي باقتراح إنشاء جيش أوروبي وذلك بعد يومين من مشاركته في احتفالات الذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى. كما هدد ترامب أوروبا بفرض «عقوبات ضخمة» ترامب قائلاً: إنه يتعين على الاتحاد الأوروبي تقديم تنازلات تجارية، وإلا فإن واشنطن يمكن أن تفرض «عقوبة ضخمة بما في ذلك فرض المزيد من الرسوم الجمركية.. اعتماد الاتحاد الأوروبي على الولايات المتحدة في الدفاع آخذ بالتلاشي. لذا قال ترامب: إن «أوروبا عليها أن تدفع حصة عادلة من أجل حمايتها العسكرية»…
الاتحاد الأوروبي مؤسسة ذات واجهة جميلة لكنها بنيت فوق رمال متحركة.
وبين الإرهاب واليمين المتطرف أصبح مُهدداً بالتفكك.
لقد بات واضحاً أن أوروبا العجوز دخلت في مأزق أوصلها إلى مفترق طرق يفرض عليها الاختيار بين بديلين: فإما التحول نحو نظام فيدرالي يمتلك جيشه الموحد ويمارس سياسة خارجية موحّدة، وإما التخندق في مواقع دفاعية أشبه بالخريف ، يتلقى فيها مزيداً من الضربات التي يتوقع أن تتزايد في المرحلة المقبلة، وربما تؤدي إلى تفككه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن