من دفتر الوطن

طقوس الكتابة..!

| عصام داري

الكتابة ليست مهنة سهلة، فهي تحتاج إلى تركيز وتفكير عميقين، وإلى ثقافة عميقة وذكاء وقّاد، وقبل كل شيء تحتاج إلى الموهبة وامتلاك ناصية اللغة.
لكن ما لا يعرفه القراء هو تلك الطقوس التي يعيش فيها هذا الكاتب أو ذاك، أو الحالة التي يخلقها الكاتب كي يبدع في مجال المقالة والرواية والقصة والشعر.
مرة سألت الصديق الصحفي والأديب حسن. م. يوسف عن طقوسه في الكتابة فقال: أنا أفضل الكتابة في الصباح الباكر، وعندما زرته في قريته الجميلة «الدالية» قبل نحو عشرة أعوام، عرفت معنى أن يكتب في ساعات الصباح الأولى، فالدالية تشبه «دالية» مرتفعة في حضن جبل شامخ تطل على جبال ووديان ما يجعلها درة بديعة تستهوي عشاق الطبيعة والهدوء.
أما الكاتب والأديب الكبير الراحل حنا مينه فقد كان لا يكتب إلا في النهار، لكنه كان يسدل الستائر السميكة فيتحول النهار إلى ليل، هنا يشعل مصباح الغرفة ويبدأ في الكتابة.
والكاتب الكبير الراحل محمد الماغوط كانت له طقوس خاصة لمستها بنفسي عندما كان يكتب زاوية «عزف منفرد» في صحيفة تشرين بالتناوب مع الأديب الآخر زكريا تامر.
فهو لا يكتب إلا بالقلم الرصاص على دفتر صغير مسطر لا يتجاوز عدد صفحاته عشر صفحات (كنا نسميه «سفينة» عندما كنا تلاميذ)، فيكتب سطراً ببعض الكلمات، ثم يمشي ذهاباً وإياباً في ممرات الصحيفة، ويعود ليكتب كلمات جديدة، وهكذا حتى تنتهي الزاوية التي قد يستغرق كتابتها أربع ساعات على حين نقرؤها في دقائق معدودات.
الغريب أنني قرأت على «النت» أن الماغوط كان يستمتع بالكتابة عندما يكتب بقلم حبر جميل على دفتر أنيق، وهذا غير صحيح، ومن عرف الماغوط عن قرب يعرف أنه يكتب بالقلم الرصاص، وعندما طلبت مجلة «المستقبل» منه كتابة زاوية فيها وسألته ماذا يريد؟ فقال: أقلام رصاص ودفاتر مسطّرة!
ويبدو أن الكاتب الجزائري واسيني الأعرج له مزاج يقترب من مزاج الصديق حسن.م. يوسف، فهو يكتب قبل بزوغ الشمس، على حين تقول الأديبة غادة السمان إنها تكتب في كل مكان، وفي أي وقت، حتى في الطائرة على ارتفاع ثلاثين ألف قدم.
وعلى المستوى العالمي فقد كان الكاتب الفرنسي فيكتور هوغو يكتب وهو عار في الحمام، ويطلب من خادمه إخفاء ملابسه كي لا يخرج من البيت، وكاتبة القصص البوليسة أغاثا كريستي كانت كذلك تكتب في الحمام وهي في البانيو، على حين يكتب الكاتب الأميركي أرنيست همينغواي بأقلام الرصاص، شأنه في ذلك شأن كاتبنا الكبير الماغوط.
وما دمنا في الحديث عن الكتاب والكتابة سأورد حالة كنت شاهداً عليها بنفسي، فقد كان الزميل ميم يكتب تعليقاً سياسيا للصحيفة عندما دخل الزميل قاف، فنهض ميم وقال له: تعبت من هذا التعليق أرجوك أكمل الكتابة! وبالفعل قرأ قاف ما كتبه ميم، وأكمل التعليق الذي نشر في اليوم التالي بشكل طبيعي!
ومرة كان الراحل جبران كورية، مدير تحرير الصحيفة، ينتظر زاوية لأحد الكتاب، لكنه لم يرسل الزاوية، في تلك اللحظة دخل السيد «ألف» يقول له: نحتاج إلى زاوية آفاق، فما كان منه إلا أن شمّر عن ساعديه وكانت الزاوية جاهزة في غضون ربع ساعة!
وفي الجعبة المزيد ولكن انتهت المساحة المسموح لي فيها، وغداً نلتقي!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن