اقتصاد

تسويق استباقي للسياسات

| عامر الياس شهدا

إن المراقب لما يحدث على المستوى الاقتصادي والمالي والنقدي سيشعر بالجهود التي يبذلها رئيس مجلس الوزراء إن كان على مستوى تشجيع الاستثمار أو على مستوى دفع العجلة الاقتصادية.
بواقعية، أقول إن قيام رئيس الوزراء بوضع الأولويات وتوضيح الخطوط العريضة للسياسات الاقتصادية والمالية والنقدية تحت شعار دفع عجلة الإنتاج الصناعي والزراعي، لتحقيق نمو اقتصادي والتخفيف من التضخم والبطالة، رافق ذلك مراجعة الموازنة لضغط الإنفاق وخلق كتلة نقدية بمقدار ١٠٠ مليار وجهها إلى دعم المشروعات الإنتاجية، كل ذلك يشير إلى السعي لتلبية متطلبات اجتماعيه ملحة، وبمصداقية عالية، أردف ذلك باعتماد الشفافية في طرح توجهاته وأولوياته، وهذا الأمر سيقدر له إذا قام المنفذون بترجمة الخطوط العريضة لسياسات تفصيلية ترسم الطريق بوضوح لفرق تنفيذية للوصول إلى الأهداف ضمن الأولويات المرسومة.
إلا أن ما حدث في الآونة الأخيرة خلق نوعاً من التخوف من هؤلاء المنفذين لاعتمادهم على أشخاص لتسويق رؤيتهم وسياساتهم استباقياً، وبطريقة خلط الأمور لتمرير قرارات قد تؤذي الاقتصاد الوطني والمواطن وتخلق مواقف سلبية وانتقادات لتوجهات وروئ رئاسة الحكومة، لا بل يشعر المجتمع من خلال الطروحات أن المعنيين بالتنفيذ يلزمهم أشخاص يزرعون الثقة بنفوسهم ويشجعونهم على اتخاذ القرار الذي يتم التسويق له قبل مناقشته من جهات معنية به بشكل مباشر، معتقدين أن اتباع هذا الأسلوب سيؤدي إلى طمس حقيقة الآثار السلبية التي قد تخلقها سياساتهم أو قراراتهم على المجتمع، ما يشير إلى ضعف في الثقة بما هم فاعلون.
فعندما يقرأ المجتمع مواضيع مبهمة تفتقر للروابط بين مختلف محاورها، والقصد منها بالنتيجة إدانة أو تهجم على سياسة سابقه لمسؤولين غادروا مناصبهم ما يعطي شعوراً أن الأمور مشخصنة وخارجة عن الأطر المؤسساتية التي من المفترض أن تتوافر في نمطية تفكير القائمين على رسم السياسات واتخاذ القرارات، كما أن الأمر يشير إلى استباقية في تسويق سياسة يشك في قبول المجتمع لها، فيتم تسويقها قبل مناقشتها واعتمادها رسمياً، فمثلاً موضوع مقاربة سعر الدولار بين الرسمي والسوق السوداء يجب أن يعتمد ضمن سياسة متكاملة تناقش مسبقاً تأثير هذا التقارب على الأسعار وعلى الاستهلاك وعلى قدرة الدخل والقوة الشرائية لليرة والمجتمع، وهذا الأمر من مسؤوليات المجلس المغيب وهو مجلس النقد والتسليف، وهو المعني بمناقشة ذلك، وليس أوساطاً إعلامية مع احترامنا الشديد لها وللقائمين عليها، فغياب أصحاب الشأن بمثل هذه الحالات سيؤدي إلى تضارب في الطروحات والآراء ويصبح الموضوع مشخصناً أكثر من كونه وطنياً.
إضافة إلى ذلك، فنحن كمجتمع متمسكون بدولة المؤسسات، فلدينا وزارات ترسم سياسات مركزية أهدافها خدمة المجتمع، فطرح بوادر اعتماد سياسة نقدية تخص سعر صرف الليرة السورية، وعلم المجتمع بها من خلال نقل الإعلام لمجريات اجتماع من دون توضيح موقف مؤسسات مرتبطة عضوياً بمثل هذه السياسة كالمالية والاقتصاد، إنما يخلق مؤشراً للمجتمع يرجح كفة عدم وجود تناغم بين السياسات النقدية والاقتصادية والمالية، ما يفرغ الجهود المبذولة من رأس هرم الحكومة من مضامينها.
نعتقد أن الاستباقية بالتسويق لقرار أو سياسة ما دون مرورها بنقاشات من أصحاب الشأن ما هو إلى تأكيد على تغييب الشفافية في التصريح عن النهج الاقتصادي الجديد، والمفترض أن يكون متناغماً مع ما تتطلبه أزمة اقتصادية وعقوبات أحادية الجانب هدفها تجويع شعب لم يؤذ أحداً في العالم، مع الإشارة إلى أن الشفافية أصبحت مطلوبة من المنفذين للتوجهات التي أعلنها رئيس الحكومة في اجتماعاته المتتالية وتصريحاته بوضوح تام عن أهداف ما هو بصدد القيام به.
نعم، إن غياب الشفافية من المنفذين التي تؤدي إلى غياب طرح أولوياتهم وغياب في المعلومات أو خلق ضبابية بشأنها، وتخوف من الاعتراف أن الاقتصاد يملؤه الفقراء وفقرهم لم يعد قادراً على تحريك الاقتصاد ما يتطلب إعادة النظر بجدية التخطيط الاقتصادي وتشعباته من مجموعة المعنيين بذلك في المؤسسات الحكومية، على أن يهدف هذا التخطيط دعم هؤلاء الفقراء لتحريك عجلة الاقتصاد، مع الإشارة إلى أنه في وقت سابق تم ربط هذا الدعم من خلال قروض لهؤلاء الفقراء أعاق منحها عدم وجود هيئة لضمان القروض، إلا أنه تم إيجاد الهيئة على الورق، لكن أوراقها وضعت على الرفوف رغم الحاجة الملحة لها، لتحريك الاقتصاد وترجمة توجهات رئيس الحكومة الهادفة لدعم الإنتاج.
نتمنى على المعنيين أن يخلقوا شعوراً لدى المجتمع بأنهم واثقون من سياساتهم وقراراتهم والابتعاد عن اعتماد استباقية التسويق لها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن