قضايا وآراء

الاستفزاز والصور السورية

| مازن بلال

يصعب تحليل الموقف الأميركي تجاه الجولان، فهو يحمل رغبة تفرد وسط نظام دولي هش لأبعد الحدود، وفي المقابل يكسر كل مساحات الحرب الباردة التي أنتجت القرارين 242 و338، فالمعنى الدولي لمسألة اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسيادة «إسرائيل» على الجولان هو «تصفية» لعملية السلام، وأما المؤشرات على المستوى الإقليمي والداخل السوري فهو فرز للمواقف وفق منطق جديد، حيث لم يعد معيار العداء لـ«إسرائيل» ضرورياً لخرائط المنطقة، وانتهت مسألة «حرب الوجود» لسورية تحديداً من سلم الأولويات وذلك وفق المنطق الأميركي.
الجانب الأساسي في القرار الأميركي يحمل رهاناً على ترنح مواقف الجميع، فهو فتح باباً ربما تدخله جميع الدول بعد التفاوض، فالخيار لانهيار «عملية السلام»، وعدم القدرة على إنهاء الأزمة السورية هو كسر الخرائط المعترف بها دولياً، وخلق فرز جديد لمواقف الدول الكبرى تحديداً، حيث لا ينظر ترامب إلى أي موقف سوري داخلي باستثناء الموقف الرسمي، فواشنطن تعتبر أن هناك مساحتين على المستوى السوري: الأولى مساحة حكومية تتصادم معها بشكل دائم، وهي في وضعية حرب معها منذ الاعتداء الذي نفذته ضد الأراضي السورية العام الماضي بحجة السلاح الكيميائي.
المساحة الثانية هي البنية السياسية – الاجتماعية لسورية، وكان الرهان طوال الأزمة السورية على إعادة تشكيل هذه البنية وتزويدها بثقافة أدت لتناقضات خلال سنوات الحرب، فانتشار الإرهاب والتطرف يحتاج لقراءة جديدة تأخذ بالحسبان نوعية التوازن في البنية السياسية – الاجتماعية، والآليات التي تعاملت معها الولايات المتحدة وغيرها من الدول لكسر هذا التوازن بشكل عنيف، فإدارة الرئيس ترامب بقرارها الاعتراف بسيادة «إسرائيل» على الجولان لا تطرح تحدياً أمام الحكومة السورية، بل استحقاق آخر أيضاً أمام البنية السورية بشكل عام لمواجهة الرهان الأميركي على «فراغ سياسي» تفترضه بعد سنوات الحرب.
تبدو المهمة أعقد بكثير من الاعتماد على الشرعية الدولية في مسألة الجولان، فالرئيس ترامب فتح صراعاً مختلفاً يجب أن يظهر على المستوى الداخلي؛ هو صراع وجود المجتمع السوري وقدرته على صياغة سياسات مواجهة مختلفة، ويمكننا هنا ملاحظة أمرين أساسيين:
– إن «الخطاب السياسي» تجاه الجولان و«إسرائيل» عموماً لم يعد محفزاً اجتماعياً لأن الوجود السوري إجمالاً أصبح مهدداً بعوامل الأزمة، ومعركة السياسة اليوم هي في إثبات قدرة القوى على العودة لإنتاج تفكير اجتماعي مختلف عن ثقافة الأزمة، وخلق مسار لمصالح حقيقية تعيد الاعتبار لقيمة «الوجود» لكل سوري.
– الأمر الثاني هو الخطاب الاجتماعي الذي ساد نتيجة هشاشة البُنى السياسية، فحاول ملء فراغ السياسة بإعادة نمذجة العلاقات الاجتماعية وفق صياغات «مهادنة» إلى أبعد الحدود، وهو ما تحاول أن تطرحه مؤسسات المجتمع المدني كبديل من الإخفاق السياسي العام، فالمجتمع المدني أمر واقع ولكن مهامه في النهاية سياسية بامتياز، وأهدافه لا يمكن أن تتحقق من دون بنية سياسية صلبة.
مسألة الجولان لا تتعلق بأرض احتلتها «إسرائيل»، ولا بقرارات دولية صدرت تباعاً لتأكيد السيادة السورية، فهي قضية الوجود السوري بالمعنى العام، وبالتفاصيل قدرة المجتمع السوري على إعادة علاقاته بشكل مبدع من خلال مصالح وجودية بالدرجة الأولى، وأي حديث قديم بشأن «إسرائيل» غير كاف لأنه يحتاج لقوة تتعامل مع متغيرات كثيرة وربما أهمها انحسار العوامل السياسية لمصلحة نمذجة السوريين وفق مقاييس لم تنجح في دول أخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن