قضايا وآراء

«حماس» و«المواجهة» مع الاحتلال.. حلال في الضفة.. حرام في غزة!

مأمون الحسيني : 

في خطوة بدت لافتة ومفاجئة للفلسطينيين الذين لم يستفيقوا بعد من صدمة «اتفاق التهدئة» في غزة الذي تتم عملية إنضاجه بين العدو الصهيوني وحركة «حماس» بعيداً عن أعين الشعب وجميع فصائل العمل الوطني والإسلامي، دعت الحركة الإخوانية الفلسطينية التي تسعى للحصول على قبول إسرائيلي مباشر يسمح لها ببناء وترسيخ مقومات الإمارة الإسلامية في القطاع، إلى تنفيذ «عمليات نوعية» ضد المستوطنين الإسرائيليين، ردا على استشهاد ريهام دوابشة، والدة الرضيع الشهيد علي دوابشة، متأثرة بجراحها التي أصيبت بها بعدما حرق المستوطنون منزلها الشهر الماضي في قرية دوما، قضاء نابلس، وبعد أن ثبت أن «التحركات السياسية والاعتماد على المواقف الدولية لم تعد كافية لتوفير الحماية للشعب الفلسطيني أمام جرائم الإسرائيليين والمستوطنين»، حسب ما جاء في البيان الصادر عن الحركة!
بطبيعة الحال، لا يمكن لأي فلسطيني أو عربي «حقيقي» إلا أن يؤيد ويساند الدعوة إلى مواجهة المحتلين وقطعان مستوطنيهم الذين ارتفع منسوب إجرامهم بحق الفلسطينيين إلى حدود التصفية والاستئصال. ولكن هذا شيء له طبيعته وشروطه ومحدداته التي تضمن اندراجه في إطار المشروع الوطني الفلسطيني والمعركة الشاملة ضد دولة الاحتلال. ودعوة الحركة الإسلامية الفلسطينية التي لم نسمع منها أي تعليق على تصريح مصدر رفيع في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بـ«وجوب دراسة التنسيق الأمني مع حركة حماس» التي بزَت جميع من سبقها في الرياء والنفاق والتضليل، شيء آخر له علاقة بمراهنة الحركة على خلط الأوراق في الضفة الغربية، وحدوث صدام بين السلطة (والمنظمة) وبين إسرائيل يفضي إلى ضعف، أو حتى انهيار الممثل الرسمي الشرعي للفلسطينيين، ويشرع الأبواب أمام «حماس» لتقديم نفسها كممثل سياسي رئيسي لا يمكن تجاوزه.
كان يمكن لـ«حماس» التي حولت قطاع غزة إلى غابة لأجهزتها وميليشياتها ومافياتها، من دون أية ضوابط أو قوانين أو معايير، وكرست كل مظاهر البؤس والفاقة إلى حد اعتبار أحد تقارير منظمة التجارة العالمية «اونكتاد» أن قطاع غزة قد لا يصلح للحياة الآدمية في عام 2020، بعد أن وصلت نسبة الفقر فيه إلى نحو 72%، إضافة إلى القمع والفلتان الأمني وفوضى السلاح وانتشار الجماعات التكفيرية، كان يمكن أن تقدم ولو دليلا واحدا على حرصها على الفلسطينيين ودمائهم وأرضهم وحقوقهم، وعلى أنها ما زالت حركة مقاومة، كأن توجه إنذارا للسلطات الإسرائيلية بالقيام بالرد عسكريا ضد مستوطنات القطاع في حال استمر القتل والقمع والاستيطان في الضفة، أو تعلن وقف الاتصالات، المباشرة وغير المباشرة، مع إسرائيل ورفض أي اتفاق هدنة يهشم المشروع الوطني الفلسطيني، ويكرس واقع انفصال القطاع عن الضفة، ويحقق للعدو شق وحدة الشعب والوطن والتمثيل السياسي والمؤسسة الدستورية الواحدة، أو على الأقل، تعلن رفضها واستنكارها لدعوة «التنسيق الأمني» التي يعرضها الاحتلال!
غير أن شيئاً من ذلك لم يحدث، لا بل إن الحركة التي انتظمت في إطار المحور المعادي لسورية وإيران وقوى المقاومة الحقيقية في المنطقة، وتمني النفس بالحصول على دعم السعودية وتركيا وقطر ومجموعات الإسلام السياسي، تخضع اليوم لكل أنواع الابتزاز السياسي الإسرائيلي، وربما هي تناقش اليوم مع الصهاينة خيارات البدائل من إقامة ميناء في قطاع غزة التي قدمها العميد يوسي اشكنازي الذي سيتم تعيينه قريبا رئيساً للمعدات البحرية الإسرائيلية: إقامة منارة خاصة بغزة في ميناء أسدود؛ إقامة ميناء في قرية العريض المصرية يخدم القطاع؛ إقامة ميناء في قبرص أو اليونان؛ إقامة منارة عائمة في المياه العميقة تبعد عدة كيلومترات عن شاطئ القطاع أو جزيرة اصطناعية مع تواصل بري مع القطاع. أما أموال المشروع فهي جاهزة وموجودة لدى المبعوث الخاص لأمير قطر، المدعو محمد العمادي الذي يحمل أكثر من مليار دولار، وينتظر ما ستقرره إسرائيل لإطلاق هذه الأموال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن