قضايا وآراء

ما هي الترامبية (1)

| دينا دخل الله

كيف يمكن فهم ترامب ومواقفه التي تبدو واحدة من ألغاز عالمنا المعاصر؟
سؤال راهن يثير اهتمامات واسعة في الرأي الخاص، رأي المراقبين والمتابعين، وكذلك في الرأي العام الواسع على المستوى العالمي.
مما لا شك فيه أن ترامب يحاول العودة بنظرية الحزب الجمهوري إلى تقاليدها التي انقطعت مع حكم رولاند ريغان بداية الثمانينيات.
من أهم مرتكزات النظرية الجمهورية التقليدية مرتكز الانعزالية الذي يناهض، من حيث المبدأ، مفهوم العولمة المنفلتة من عقالها.
وقع الرؤساء الجمهوريون الثلاثة، ريغان وبوش الأب والابن، في حضن المحافظين الجدد فتخلوا عملياً عن تقاليد حزبهم، ساعدهم في ذلك ضعف الاتحاد السوفييتي في عهد ريغان، وانهياره تماماً في عهد بوش الأب، حيث أصبح العالم مفتوحاً أمام واشنطن تفعل فيه ما تشاء، كان التخلي عن تحفظات الحزب الجمهوري التقليدية ضرورياً لأن الحلوى العالمية كلها أصبحت على الطاولة دون منازع.
إن أهم سمة من سمات الترامبية هو العمل على إعادة إحياء نظرية الحزب الجمهوري التقليدية بعد أن انتهت الظروف الدولية التي فرضت على بوش الأب التخلي عنها، فالعالم اليوم لم يعد ساحة مفتوحة يلعب بها الرئيس الأميركي كما يشاء، ولم تعد السياسة الدولية سهلة كما كانت في العقود الثلاثة الأخيرة.
الموقف الحالي للرئيس الأميركي من فنزويلا وكوبا هو إحدى علائم الترامبية، فيه عودة إلى ذاك الشعار المعروف الذي رفعه الرئيس مونرو بداية القرن التاسع عشر «أميركا للأميركيين» والذي يعني أن القارتين الأميركيتين للولايات المتحدة ولا يحق لأحد أن يقترب من هذه «الأملاك».
ما يفرق بين إنعزالية ترامب وإنعزالية مونرو بداية القرن التاسع عشر، هو أن ترامب لا يريد من أحد أن يقترب من أميركا الوسطى والجنوبية مع الحفاظ على «حق» واشنطن بأن تتابع سيطرتها على قارات «العالم القديم»، أما مونرو فاكتفى بالجغرافيا الأميركية الواسعة في قارتيها ولم يكن ينوي التدخل في آسيا وأفريقيا وأوروبا ذلك لأن الولايات المتحدة كانت عندها ضعيفة، أضعف من بريطانيا وفرنسا وغيرها من دول الاستعمار التقليدي.
هذا هو الفارق الأهم بين الانعزالية التقليدية والانعزالية الجديدة، ومنها ظهر أول مبدأ من مبادئ ترامب ويقول: لا تتدخلوا في شؤون أميركا الجنوبية، لكن الولايات المتحدة سوف تتابع تدخلها في قاراتكم الثلاث.
على هذا لا تهم ترامب العولمة وإنما الأمركة بمعنى حماية القارة الأميركية بكاملها ومتابعة التدخل في شؤون العالم.
الحزب الديمقراطي يرى أن العولمة هي الباب الحقيقي لجعل العالم يفكر كما تريد أميركا، والعولمة هنا تعني أن على أميركا أن تصدر الرأسمال وتستدين من العالم، وأن تملي على العالم مبادئها وطريقة تفكيرها، هذا يعني أن تلغى الحدود عملياً بين الولايات المتحدة والعالم، ترامب يرى أن السيطرة على العالم تتم بإغلاق الحدود الأميركية للقارتين ما وراء الأطلسي والهادي، وأن تعزز واشنطن سيطرتها في العالم.
أي المشروعين أكثر عدوانية؟ ما يهمنا حقيقة أن المشروعين عدوانيان وإن كان ذلك بأساليب مختلفة!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن