قضايا وآراء

من أجل تفعيل العلاقات المصرية السورية للمواجهة المشتركة ضد الإرهاب وحماية الأمن القومي

د. محمد أشرف البيومي : 

هذه دعوة ملحة للمثقفين المهتمين بالدفاع عن الدولة الوطنية في سورية ومصر حيث تواجه هجوماً شرساً من عدة جهات. وهو نداء للقيام بواجبنا لتفعيل العلاقات المصرية السورية كخطوة ضرورية لمحاربة الإرهاب ومواجهته بشكل متكامل. أرجو التجاوب والحوار عبر البريد الإلكتروني مع هذا النداء.
في مثل هذا اليوم من العام الماضي تساءلت عبر مقال نشر في جريدة التحرير المصرية عن أسباب الصمت المدوي «للنخبة المصرية» حول ما يدور في سورية. من المهم أن نتناول الأسباب الموضوعية التي تفسر هذا السكوت وما إذا كانت هذه الأسباب ما زالت قائمة بالدرجة نفسها. وما إذا حان الوقت المناسب لتفعيل العلاقات المصرية السورية وخصوصاً على المستوى الشعبي وأهمية ذلك بالنسبة للأمن القومي المصري. وهنا يطرح السؤال: ماذا نستطيع عمله للمساهمة في تحقيق ذلك؟

أسباب الصمت
من أهم أسباب هذا الصمت أن مصر خضعت عدة عقود لمناخ كامب دافيد والانفتاح الاقتصادي فانتشرت ثقافة تغييب الوعي القومي. ونشأ فراغ ثقافي ملأته إما الثقافة الوهابية المنحرفة أو الثقافة الليبرالية الجديدة التابعة. ساهم كلاهما في تسخيف الشعارات والمصطلحات والأولويات الوطنية لحساب أولويات مقبولة أميركياً وصهيونياً ورواج مصطلحات وشعارات مخادعة ومغرضة مثل شعار «مصر أولاً» الذي ساهم في عزل مصر عن محيطها العربي، وشعار «الديمقراطية أولاً» كمدخل للتخريب الأميركي وتغييب القضايا القومية، وشعار «السلام خيارنا الإستراتيجي» لقتل روح المقاومة، وقلب الأمور رأساً على عقب باستخدام شعار «قبول الآخر».
لا شك أن الخداع الإعلامي والأكاذيب المتكررة عبر قنوات الجزيرة والعربية، وغياب إعلام مصري يبث حقائق الأزمة السورية، ساهم بشكل أساسي في تشويه الحقائق وانصراف أغلبية المثقفين عن هذا الأمر.

مستجدات خلقت الآن مناخا مواتيا
لتفعيل العلاقات المصرية السورية
بعد سقوط حكم الإخوان في مصر وعزل الدكتور مرسي ( الذي رفع شعار «لبيك يا دمشق» معلنا دعمه للمجموعات المعارضة المسلحة والإرهابيين) تفاعلت عدة عوامل لخلق مناخ جديد في مصر إزاء الأزمة السورية. من هذه العوامل، ولعل أهمها، الصمود الأسطوري السوري. فلا النظام سقط كما تمنى أو توقع البعض، ولا انهار أو تفكك الجيش الوطني السوري، ولا انتصرت جحافل الإرهابيين، ولكن تعرضت سورية لدمار واسع شمل التراث الحضاري وتعرض الشعب السوري لمعاناة ضخمة. زال كثير من الغبار الذي أخفى الحقائق. فانكشف الدور الأميركي- التركي- القطري- السعودي- الأردني- الصهيوني في دعم الإرهابيين، وتوحدت أهدافهم للقضاء علي النظام السوري الذي يرفض الإملاءات الأميركية. تبين دور الإرهابيين الأجانب واتساعه ما يدحض مقولة الحرب الأهلية، انكشفت تبعية المعارضة لقوى إقليمية أو أجنبية ومدى هامشيتها وانتهازيتها. واتضح الوجه القبيح لحكام السعودية في اعتدائهم وجرائم الحرب التي يشنونها على الشعب اليمني. برز بشكل واضح دور الإرهاب وممارسته البشعة وذاق الشعب المصري بعضها عندما قطعت رؤوس مصريين في ليبيا واتسعت العمليات الإرهابية ضد جنود وضباط الجيش المصري وقوات الأمن واغتيل قضاة ودمرت منشآت. اتضح بدرجة أكبر كيف أن الإرهاب واحد ومصادر تمويله واحدة وأسلوبه واحد وتبين بدرجة أكبر الهدف الصهيوأميركي بإضعاف الجيشين المصري والسوري وإنهاكهما. كذلك برزت المساندة المبدئية الروسية للنظام السوري اعترافا بمحوريته في حماية الدولة السورية ومنع تفككها. كما اتضح أن الإرهاب لا يأبه بالحدود القطرية ما يعطيه مرونة حركة وهذا يحتم معالجة شاملة وإستراتيجية متكاملة تسلب الإرهاب مرونة حركته.

دور الدولة المصرية وممارساتها
رغم أن طموحاتنا بالنسبة لمؤازرة سورية رسمياً أعلى بكثير من موقف الحكومة المصرية إلا أن الحكومة تبدو مدركة لهذه المستجدات فرفعت مستوى التعاون الأمني بعد أن عزل الشعب وجيشه الرئيس مرسي. أكدت الحكومة المصرية، رغم عدم رضاء السعودية، ضرورة وحدة سورية ورفضت الانجرار وراء شعار إزالة الأسد معتبرة أن الشعب السوري وحده هو الذي يختار رئيسه. كل هذا أعطى مؤشرات واضحة فقام وفد إعلامي مؤخراً بزيارة دمشق وعدة مدن سورية وتلمس الوضع على الواقع. كان التأثير الايجابي للزيارة ملموساً من خلال المقالات في الصحف الرئيسية، وإبراز ضرورة التعاون من أجل رفع كفاءة حربنا على الإرهاب. هذا على الرغم من القيود التي تحاول السعودية فرضها على الحكومة المصرية. وكما قلنا مراراً فإن حاجة السعودية لمصر أكبر من حاجة مصر للسعودية رغم العناء الاقتصادي فلا يمكن الانتقاص من الأهمية الإستراتيجية التي تملكها مصر كما أن الشعب أثبت مراراً أنه يتحمل الكثير من أجل حماية كرامته واستقلاله. كل هذا يعطي الدولة حرية حركة كما أن مصر تملك بدائل اقتصادية وعسكرية تمنع إملاءات إقليمية أو دولية. تتصاعد حرية الحركة هذه إذا كان هناك دعم غير رسمي في اتجاه التعاون السوري المصري والذي يطالب بعودة العلاقات التي قطعت في عهد مرسي. ومن المتوقع أن الأعباء الاقتصادية التي تعاني منها السعودية نتيجة عدوانها على اليمن وانخفاض أسعار البترول، إضافة إلى الاكتشاف المثير لأكبر حقل غاز في البحر الأبيض المتوسط قبالة الشواطئ المصرية بالقرب من العريش سيكون له تداعيات جذرية تحرر مصر من أعبائها الاقتصادية ومن أي ضغوط سياسية تمارسها السعودية أو إسرائيل.

حوار حول ما نستطيع وما يجب عمله
علينا أن نتذكر أنه قبل أكثر من ثلاثة عقود وقبل أن تتغلغل ثقافة كامب دافيد انتفض قطاع واسع من الشعب المصري، ورغم القيود الأمنية شكل اللجنة المصرية لمناصرة الشعبين الفلسطيني واللبناني وذهب بعض أعضائها إلى بيروت المحاصرة على سفينة المناصرة.
ألا تستحق سورية وشعب سورية لجنة مناصرة تكون بمنزلة جبهة سورية- مصرية مشتركة؟ كما أننا يجب أن نشارك الدولة في جهود محاربة الإرهاب في مصر وسورية، فالإرهاب لا ينبغي فصل مكوناته، خصوصاً النشاطات التي قد تجد الدولة قيودا في ممارستها.
فلنبدأ بإرسال وفود مصرية تمثل هيئات مختلفة، ولتبدأ كل من نقابة الصحفيين ونقابة المحامين واتحاد الكتاب بصفتهم هيئات رائدة في قيادة العمل الوطني إضافة إلى شخصيات عامة وإعلامية من أجل زيارة سورية ليتعرفوا على الواقع ولمقابلة مسؤولين ومعارضين في الداخل وللمساهمة في حوارات ثقافية. والشق الملازم لهذا النشاط هو دعوة وفود سورية لهيئات مماثلة لزيارة مصر والقيام بلقاءات ثقافية وإعلامية. فهل يلبي رؤساء النقابات المذكورة ومجالسها هذا الطلب العاجل والمهم؟
إن مثل هذا التفاعل وغيره على كل المستويات الفنية والرياضية والمحاربين القدامي من أبطال حرب 73 سيكون له أثر بالغ وسيدفع الحكومة في اتجاه علاقات وثيقة مع سورية ودعم الأمن القومي لكلا البلدين.
أستاذ الكيمياء الفيزيائية بجامعتي الإسكندرية وولاية ميشجان (سابقاً)

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن