رياضة

سلتنا الأنثوية بين الحاضر والماضي وعهد من المنظّرين والاستعراض

| مهند الحسني

بعد مرور أكثر من عامين على إعادة تشكيل اتحاد كرة السلة بهيكلته الجديدة، توسم الكثيرون خيراً بأن السلة الأنثوية سيكون لها نصيب من الاهتمام، لكن فوجئ الجميع بأن سياسة العمل في مفاصل سلتنا الأنثوية ما زالت غير واضحة، رغم النداءات الكثيرة التي أطلقها عشاق اللعبة في الآونة الأخيرة، لنصل إلى حقيقة مفادها أن هموم وشجون اللعبة باتت في آخر أولويات القائمين على أمور اللعبة، رغم أن الجميع يدرك أن سلتنا الأنثوية ليست في أحلى أيامها، وهي مريضة وتكاد تلفظ أنفاسها من دون أن يكون هناك حلول ناجعة لإنقاذها، هذه الأمراض لم تأت في يوم وليلة، وإنما جاءت نتيجة تراكمات كثيرة من الاتحادات السابقة والمتعاقبة على اللعبة، من دون أن تكون هناك بدائل مناسبة لمستقبل اللعبة تقينا شر الانتكاسات والخسارات المؤلمة.

استبشرنا خيراً
بعد مشاركتنا الأخيرة في بطولة آسيا للناشئات، حسبنا أننا سنكون أمام نقلة نوعية بمفاصل اللعبة الأنثوية، وبأن المنتخب الذي شارك حينها، وحقق نتائج جيدة، سيكون للاتحاد وقفة مطولة عند هذا الإنجاز، وسوف تؤسس عليه انطلاقة قوية لتشرق شمس السلة الأنثوية من جديد، لكن كلام الليل يمحوه النهار، وعاد الاتحاد إلى مسلسل الشعارات والتصريحات والوعود الرنانة، وإنشاء صفحات الفيس الخاصة باللعبة، ظناً من هؤلاء المتفلسفين أنهم بذلك سيرتقون بمستوى السلة الأنثوية متناسيين هموم وشجون اللعبة في أغلبية المحافظات إن لم نقل جميعها.
سلتنا الأنثوية ليست بحاجة لمنظّرين وفلاسفة وهواة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، بقدر ما هي بحاجة لمن يهبها الدواء لجميع أوجاعها وأمراضها التي أرهقتها وأدخلتها في غرفة الإنعاش وباتت تغط في نوم عميق.

الخطف خلفاً
هناك مثل صيني يقول «التلميذ الضعيف يشتكي دائماً من أدواته» وهذا المثل بات ينطبق على اتحاد السلة، الذي نجح في الفترة الماضية إلى حد ما في توسيع رقعة اللعبة في المحافظات، وقد شهدت انتعاشاً لكنه لم يكن كافياً لإعادتها لألقها، والحقيقة تقال فقد انتعشت اللعبة في بعض المحافظات، وأكبر دليل تلك النقلة النوعية لسلة الساحل الذي عرف كيف يهتم بقواعد اللعبة في الفترة السابقة، ونجح في خلق جيل سلوي واعد، إضافة لسلة محردة التي بدأت تثمر خامات ومواهب تبشر بالخير، وكذلك الحال في السويداء التي شهدت تطوراً كبيراً باللعبة في أندية عرى والعربي ولاهثة، وكذلك كانت هناك تجربة ناجحة لنادي أشرفية صحنايا، وبات أحد أهم معاقل السلة الأنثوية في سورية، ولكن الاتحاد بدلاً من أن يستمر في نهجه وينفذ خططه ويزيد اهتمامه، عاد إلى الوراء بحجج ما أنزل بها من سلطان، بأن الأزمة والهجرة، وضعف الإمكانات، وغياب المدربين، وبأن وبأن… إلى ما يشاء الله! والسؤال هنا، هل بمقدور اتحاد السلة أن يعلمنا ما مصير السلة في نادي الساحل في الآونة الحالية، وهل لديه تفسير كيف انتقلت لاعبات نادي سلمية لأحد الأندية الدمشقية تحت بند الاحتراف، ما أفقد النادي لاعباته وبات ملازماً للدرجة الثانية، وهل لديه إجابات شافية عن مصير سلة الاتحاد التي ودعت دوري الأضواء بخسارات مؤلمة لا تليق بناد كبير، وهل لديه القدرة على إقناعنا عن مصير اللعبة في محافظتي حمص وحماة، وسبب غيابها منذ سنوات طويلة، وهل لديه إجابة عن سبب التراجع المخيف لسلة سيدات الوحدة بعدما تربعن سنوات طويلة على منصات التتويج، وأين السلة الأنثوية في ناد كبير كالجيش؟
وهل بمقدور القائمين على السلة الأنثوية باتحاد السلة إقناعنا عن سبب غياب اللاعبات النجمات عن عرش سلتنا الأنثوية أسوة بالجيل الذهبي أمثال(غادة شعاع – لولو اسميح، سلام علاوي، غادة الراعي) اللواتي سطرن أسماءهن بماء من ذهب، وقارعن في كثير من المحافل سلة أقوى المنتخبات العربية (مصر وتونس ولبنان والجزائر) بسلات كثيرة، واعتلين منصات التتويج عن جدارة واستحقاق.
أما آن لفلاسفة التنظير والاستعراض والجلوس على المنصات وتوزيع الابتسامات للكاميرات وملازمة المسؤولين، البحث عن الحلول التي لم تخطر في بالهم والتي تعاني منها أندية كانت عريقة في هذه اللعبة منذ سنوات، وهل سيجدون لها الحلول؟

غياب الأهداف‏
لنتحدث بصراحة وبشفافية ولو كانت قاسية بعض الشيء، إن القائمين على أمور سلتنا الأنثوية يفتقدون الرؤية الصحيحة، والأهداف الإستراتجية للعبة، وهم بالأصل غير فنيين، وتاريخهم الرياضي لا يؤهلهم لتولي مهمة تطوير اللعبة الأنثوية، فالمشاركات التي تحضر لها منتخبات السيدات لا يوجد لديها أهداف، بحيث يتم حل المنتخب بعد انتهاء البطولة، والمنتخب الأول لم يحضر منذ عدة سنوات، رغم أن هناك بعض المواهب والخامات التي تبشر بالخير لكن ينقصها الرعاية والاهتمام، وكان حرياً باتحاد السلة وفلاسفته أن يستغلوا فترة الأزمة ليتفرغ لإعداد المنتخب بترو وهدوء تحضيراً للاستحقاقات القادمة، وبلاعبات يستطعن الحضور والتمرين، فذلك أفضل بكثير من رفع راية الاستسلام والتغني بأمجاد الماضي فتلك هي الطامة الكبرى.

خلاصة
نتمنى أن يعود اتحاد السلة لرشده، وينظر في مصلحة اللعبة من زاوية أخرى، علّه يجد ضالته في إيجاد كوادر فنية مؤهلة، ورجاء دققوا بكلمة فنية جيداً بحيث تكون قادرة على تقديم أشياء جديدة، ووضع تصورات لمرحلة قادمة، ابتداء من وضع نظام دوري متطور لجميع فرق اللعبة، مرورا بوضع روزنامة نشاط للمنتخبات الوطنية الخاصة بالسيدات، وانتهاء بفتح باب المشاركات والعودة إلى المنافسة، بعيداً عن نظريات بعض فلاسفة السلة الذين باتوا يشكلون عبئاً ثقيلاً تمجه نفوس عشاق ومحبي سلتنا الأنثوية.
هذا غيض من فيض فوضى أمراض السلة الأنثوية التي باتت بحاجة لتوافر النيات الصادقة، وتضافر جميع الخبرات الوطنية مع توافر الإمكانات المادية والدعم الكبير من القيادة الرياضية من أجل النهوض بها من جديد بعيداً عن التنظير والشعارات الرنانة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن