قضايا وآراء

الأكيد أنهما اتفقا على عرب وتركمان كركوك

| أحمد ضيف اللـه

منذ انتهاء الانتخابات التشريعية التي جرت في إقليم كردستان في الـ30 من أيلول 2018 لم تشهد أزمة تشكيل حكومة إقليم كردستان أي انفراج ملموس أو اتفاق شامل لتقاسم السلطة بين الحزبين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يرأسه مسعود بارزاني الحاصل على 45 مقعداً، والاتحاد الوطني الكردستاني الذي أسسه الراحل جلال طالباني الحاصل على 21 مقعداً من أصل 111 عدد مقاعد برلمان الإقليم، فكل الاجتماعات المتباعدة التي عقدت بينهما لم تسفر عن أي اتفاق، وحتى اجتماعهما في الـ3 من آذار الذي لم يُفصح عن مضامينه، وقيل إنه كان ناجحاً، أشارت التصريحات التي تلت الاجتماع إلى أنهما اتفقا على 18 بنداً، تضمنت تقاسماً للسلطات والحقائب الوزارية في الإقليم، ولحصة المكون الكردي من المناصب والحقائب الوزارية في الحكومة الاتحادية، فضلاً عن اتفاقهما بشأن خلافاتهما السياسية في المناطق المسماة دستورياً «المتنازع عليها» بين بغداد وأربيل، منها منصب محافظة كركوك التي يرى الاتحاد الوطني الكردستاني أنه ينبغي أن يكون محافظها منه.
ولا يبدو، حتى الآن، أن هذا الاجتماع قد أنهى الخلافات الحاصلة بين الحزبين، وخاصة مع إصرار الاتحاد الوطني الكردستاني على معالجة قضية كركوك سياسياً وإدارياً، وتقاسم السلطات في الإقليم وبغداد كرزمة واحدة، على حين يصر الحزب الديمقراطي الكردستاني على تنفيذ مضامين الاتفاق بشكل تدريجي ومرحلي، وخاصة أنه لا يزال الخلاف بين الحزبين على حقيبة وزارة العدل قائماً، وهو إحدى العقبات الرئيسة في استكمال حكومة عادل عبد المهدي، حيث يسعى الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى الانتهاء من ملف تشكيل حكومة إقليم كردستان أولاً، ثم حسم منصب محافظ كركوك، وبعد ذلك الذهاب إلى حسم موضوع منصب وزارة العدل في الحكومة المركزية، الذي رأى النائب والقيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بختيار شاويس في حديث لصحيفة «القدس العربي» في الـ14 من آذار الماضي أن «منصب وزارة العدل هو من استحقاق حزب الاتحاد الوطني الكردستاني».
إن الاجتماع الأخير بين الحزبين الكرديين لم يسفر عن شيء جديد يُذكر، وخاصة مع ما يتسرب من أن الاتحاد الوطني الكردستاني قد قدم سقفاً عالياً من المطالب والمناصب التي يريد شغلها في حكومة الإقليم، والتي لا يراها الحزب الديمقراطي الكردستاني تتناسب مع حجم استحقاقه الانتخابي، ورغبة معظم الأطراف الكردية السياسية الفائزة بانتخابات البرلمان بالمشاركة في حكومة الإقليم المقبلة، التي تسعى إلى الحصول على أكبر قدر من الامتيازات والمناصب، وهو ما سيصعب من مسألة تشكيل حكومة إقليم كردستان، وخاصة أن أغلب مفاصل الحكم في الإقليم كانت تدار منذ سنين من هذين الحزبين الرئيسين، حيث تقاسما مناطق النفوذ بينهما، ما أتاح للحزبين بسط سيطرتهما على مؤسسات وإدارات الحكم في إقليم كردستان، في ظل غياب أي معارضة قوية.
لقد أثار اتفاق الحزبين الرئيسيين على ترشيح شخصية كردية لمنصب محافظ كركوك، وهي من المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، حفيظة المكونين العربي والتركماني في المحافظة، عبرتا عنه من خلال بيانات وتصريحات أصدرتها أحزاب وجهات سياسية من هذين المكونين، رافضة سعي المكون الكردي الحصول على منصب المحافظ، ففي بيان قال حاتم الطائي الناطق باسم «المجلس السياسي العربي» خلال مؤتمر صحفي بحضور نواب عرب من محافظة كركوك في الـ5 من آذار الماضي: «مرة أخرى يتم إقحام كركوك كورقة مساومة في تشكيل حكومة الإقليم، خارج مبدأ التوافق، بما يعرض السلم الأهلي إلى مخاطر كثيرة»، على حين أكد النائب السابق حسن توران في بيان له في الـ6 من الشهر ذاته، الرفض «القاطع لسياسية الأمر الواقع وإخضاع كركوك لصفقات تشكيل حكومة الإقليم».
إن منصب محافظ كركوك كان يشغله القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني نجم الدين كريم الذي أصدر القضاء العراقي مذكرة توقيف بحقه على خلفية رفع علم إقليم كردستان فوق مبنى المحافظة والمباني الرسمية الأخرى وتأييده لاستفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق الذي جرى في الـ25 من أيلول 2017، والذي فر لدى دخول القوات العراقية والحشد الشعبي محافظة كركوك في الـ16 من تشرين الأول 2017، ما جعل المنصب شاغراً، وشغله لاحقاً وكالة من راكان الجبوري وهو من عرب المحافظة، وما أن فاز راكان الجبوري بمقعد في مجلس النواب الحالي، حتى أصبح منصب محافظ كركوك شاغراً الأمر الذي فتح الباب مجدداً أمام صراع على المنصب بين المكونات العراقية: الكردية والعربية والتركمانية، في المحافظة، عكسته حرب البيانات المتبادلة بشأن المنصب.
إن العرب والتركمان في محافظة كركوك غير موافقين على أن يعود الأكراد لتولي منصب المحافظ الذين هيمنوا عليه لسنوات عدة، وقد أوفدوا ممثلين عنهم إلى بغداد لإقناع الكتل السياسية بعدم القبول بمحافظ كردي جديد لكركوك، وبتجميد عمل مجلس المحافظة بسبب «تسلط» قائمة التآخي الكردية بحسب ادعائهما، كما يرى التركمان أن منصب المحافظ بات من حقهم بعد أن تسلمه الأكراد والعرب تباعاً، ففي بيان له في الـ4 من آذار الماضي قال رئيس الجبهة التركمانية أرشد الصالحي: إن «كركوك النفطية، وخصوصيتها التركمانية وعراقية وجودها، ستفجر أزمة جديدة وستحرق العراق والمنطقة إذا لا يتم التعامل معها بحذر»، مشيراً إلى أن «قضية كركوك تحل بين مكوناتها وبغداد، ومنصب المحافظ استحقاق سياسي للتركمان».
إن الانتخابات المحلية في محافظة كركوك لم تجر نتيجة الخلافات العميقة بين مكوناتها إلا مرة واحدة في 2005، بعكس بقية المحافظات العراقية، حيث حقق الأكراد خلالها أغلبية ساحقة في مجلسها المحلي المؤلف من 28 عضواً، نتيجة تنازع المكونات العربية والتركمانية بينها، وفي ظل عدم التئام مجلس محافظة كركوك الحالي منذ تشرين الأول 2017، فإن العرب والتركمان سيعمدون إلى إبقاء الأوضاع الحالية على حالها لحين إجراء الانتخابات المحلية المقبلة.
إن حدة الخلافات والاحتقان بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، لم تهدأ مطلقاً منذ إخفاق الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان عن العراق، وقد تصاعدت بعد إعلان نتائج انتخابات برلمان الإقليم الأخيرة، فحتى الجلسة التي عقدت في الـ18 من شباط الماضي برئاسة رئيس السن ريفينك حمه لانتخاب رئيس للمجلس قاطعها الاتحاد الوطني الكردستاني، حيث انتخبت فالا فريد وهي من الحزب الديمقراطي الكردستاني رئيسة للبرلمان، على حين يرى الاتحاد الوطني أن المنصب من حقه، كذلك قاطع الاتحاد الوطني الكردستاني جلسة برلمان الإقليم الأخيرة في الـ30 من الشهر الفائت، احتجاجاً على عرض مشروع قانون تعديل قانون رئاسة الإقليم، كما انسحبت كتل «الاتحاد الإسلامي» و«الجماعة الإسلامية» و«حراك الجيل الجديد» من الجلسة للسبب ذاته ما اضطر هيئة الرئاسة إلى رفعها.
وفي ظل تدخل الولايات المتحدة الأميركية بالضغط على حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وأحزاب كردية أخرى لثنيها عن مواقفها من الحزب الديمقراطي الكردستاني وحلحلت عقد تشكيل حكومة الإقليم المقبلة، قال مسعود بارزاني في الـ3 من نيسان الحالي لدى افتتاح معرض أربيل الدولي الرابع عشر للكتاب، بحضور أياد علاوي رئيس «ائتلاف الوطنية»، مهدداً: «صبرنا كثيراً وأعطينا الفرصة لكل الأطراف لتشكل حكومة من مختلف الأطراف الفائزة وأعطينا الوقت اللازم وأعطينا الفرصة بشكل كامل، لكن الآن وصلنا إلى مرحلة لم يعد الانتظار مقبولاً ولم تعد أي حجج أو مبررات مقبولة، لقد انتهى وقت الانتظار وسوف يباشر البرلمان الإجراءات الضرورية في ما يخص انتخاب رئيس الإقليم وتكليف رئيس الوزراء»، مضيفاً «أقول بصراحة بدءاً من اليوم لا ننتظر لحظة أخرى وسوف تشكل الحكومة بأقرب وقت».
تهديد بارزاني يعني الأمر بتمرير مرشحي الحزب الديمقراطي الكردستاني البرزانيين، ابن أخيه وزوج ابنته نيجرفان لرئاسة الإقليم، وابنه مسرور لرئاسة الحكومة، وليس من الأكيد أن عُقد وصراعات القوى السياسية الكردية قد تم حلها أو تجاوزها، إنما الأكيد أن الحزبين الرئيسيين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني اتفقا على العرب والتركمان في محافظة كركوك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن