قضايا وآراء

ما هي الترامبية (3)؟

| دينا دخل الله

يحاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب استعادة نظرية الجمهوريين التقليدية التي انتهت مع الرئيس ريتشارد نيكسون في سبعينيات القرن الماضي.
الرؤساء الجمهوريون الذين أتوا بعد ذلك لم يلتزموا بهذه النظرية وإنما وقعوا تحت تأثير المحافظين الجدد ونظريتهم العدوانية في العلاقات الدولية.
سبب هذا الانقطاع أنه في عهد رونالد ريغان وجورج بوش الأب والابن، انتهت ظروف التوازن الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ما أدى إلى ظهور نظام القطب الواحد وانفتاح الساحة الدولية برمتها أمام العم سام المنفلت من عقاله.
ظهور روسيا بزعامة الرئيس فلاديمير بوتين على الساحة الدولية من جديد، دفع بترامب للعودة إلى نظرية الحزب الجمهوري التقليدية الانعزالية الجديدة. لا يريد ترامب أي التزامات دولية يضطر عندها الأخذ بعين الاعتبار مصالح حلفائه في أوروبا وجنوب شرق آسيا.
يعتبر مبدأ أميركا أولا أو أميركا فقط من أهم منطلقات الترامبية، لذلك فهو يركز على انسحاب بلاده من الساحة الدولية مع إبقاء السيطرة قدر الإمكان على هذه الساحة.
قال ترامب عند إعلانه الانسحاب من سورية: «حان الوقت كي تنهي الولايات حروبها التي لا نهاية لها كي نعود إلى داخل الوطن لإعادة بنائه»، وعلى الرغم من أن وزير الخارجية مايك بومبيو حاول التخفيف من حدة خطاب رئيسه عندما أعلن: «لن نختفي خلف الجدران بل سنصبح أكثر مشاركة في العالم» إلا أن الرسالة وصلت إلى الحلفاء وإلى دول الخليج التابعة.
لم يقف ترامب عند الكلام فقط، بل أسرع باتخاذ الإجراءات الأزمة بسرعة وقوة. بالنسبة لأوروبا ضرب ترامب بعرض الحائط مصلحة القارة العجوز عندما انسحب من اتفاق إيران «5+1»، ومن جهة أخرى قال لأعضاء حلف الناتو بصراحة إن عليهم أن يدفعوا ثمن الأمن فالولايات ليست جمعية خيرية، والقول نفسه ردده أمام الخليجيين.
أما بالنسبة لشرق آسيا وهناك اليابان حليفة أميركا الكبرى، فقد انسحب ترامب من «اتفاق الشراكة عبر الهادي» لأنه لا يريد أي التزامات جماعية تقيد حرية واشنطن في اتخاذ السياسات التي تناسبها.
في علاقات بلاده مع كوريا الديمقراطية نلاحظ أن ترامب يريد أن يتخلص من التزاماته الأمنية تجاه كوريا الجنوبية واليابان بعد أن ينزع سلاح بيونغ يانغ.
وتجاه المكسيك وكندا انسحب من منطقة التجارة الحرة لأميركا الشمالية «NAFTA»، ثم فرض تعديلات مهمة في الاتفاق كشرط للعودة إلى هذه الكتلة. ولقد كانت الانعزالية التقليدية في القرن التاسع عشر مهتمة بالتعاون مع أميركا اللاتينية، لكن انعزالية ترامب الجديدة تريد السيطرة على القارة الأميركية الجنوبية دون تعاون، وهذا ما نلاحظه في تعامل الرئيس الأميركي مع فنزويلا.
إن أهم قرار انعزالي اتخذه ترامب تجاه العالم برمته هو تقييد استثمارات أميركا في الخارج، وهذه ضربة مهمة ضد الرأس المال الاستثماري والمالي الأميركي الهائج، وقرار ترامب هذا هدفه تعزيز الاستثمارات الداخلية من أجل توسيع فرص العمل للأميركيين.
حاولت في هذه المقالات الثلاث الإشارة إلى أهم ما في الترامبية لعلنا نستطيع فهم تصرفات ترامب وسياساته، والمهم أنه مع هذا الرئيس المندفع بدأت أميركا عصرا جديداً ستكون له انعكاسات قوية على العالم كله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن