قضايا وآراء

كم تتشابه حالة أردوغان اليوم مع حالة عدنان مندريس!

عبد المنعم علي عيسى : 

سوف يرى المتتبع لسياسات حزب العدالة والتنمية التركي- وبالضرورة لسياسات رجب طيب أردوغان- أن مشروع هذا الأخير قد بدأ مرحلة الانحسار منذ خريف عام 2013 بعد أن تأكد الفشل في كل من القاهرة ودمشق وهو ما أدى إلى تقزيم الدور الإقليمي التركي تزامناً مع تناقص الثقل (التركي) في «قبّان» واشنطن الذي يعتبر الأكثر «اعتبارية» والأكثر أهمية، ظهر ذلك التناقص بشكل جلي في طريقة تعاطي واشنطن مع تظاهرات تقسيم (31 أيار 2013) فقد بدا واضحاً أن الإدارة الأميركية قد اختارت أن تأخذ مسافة فيما بينها وبين أردوغان غداة مجابهة هذا الأخير لخصمه اللدود الداعية الإسلامي فتح الله غولن المقيم في أميركا منذ 1999 كان ذلك الموقف إحدى تبعات الزلزال الذي شهدته السفارة الأميركية في بنغازي 11/9/2012 (اغتيال االسفير الأميركي) والذي أدى إلى خلخلة التحالف القائم بين واشنطن والإخوان المسلمين بزعامة «نموذج الإسلامي المعتدل» وعلى رأسه رجب طيب أردوغان.
بشكل ما يمكن القول: إن هذا التحالف السابق لم يكن مصيرياً بالنسبة لأردوغان كما كان حاله بالنسبة لبقية أحزاب الإخوان المسلمين المرتبطة به (وإن كان يمثل دفعاً قوياً) على خلفية تمتعه بغطاء أميركي على مدار الأعوام بين 2007-2012 وإلى تلك الفترة تعود سلسلة الأحلام التي ابتناها أردوغان في مخيلته حتى طغت تماماً على تكفيره ولم تكد أحداث تونس 17 كانون الأول 2010 تعلن حتى تبين أنها تمثل الفرصة التي كان ينتظرها لإطلاق مشروع «العثمانية الجديدة».
لا تحتاج الرعاية الأميركية لأردوغان إلى «ويكيليكس» حتى نكتشف مداها أو حجم احتضانها لهذا الأخير، فالمسافة التي كانت تفصل بين تأسيس حزب العدالة والتنمية (14 آب 2001 انشقاقاً عن حزب الفضيلة الذي كان يرأسه نجم الدين أربكان) وبين وصول الحزب إلى السلطة عبر انتخابات 3 تشرين الثاني 2002 فقط كان قصر تلك المسافة (447 يوما) يمثل «ويكيليكس» من نوع آخر يورد الوثيقة ومعها الشروحات اللازمة لفهم ما جاء فيها.
غالباً ما تكون انعكاسات الأحداث على الكاريزما الشخصية للسياسي (أي سياسي) وفي كل الأحوال فإنها أمر نادر الحدوث، تشير إلى أمور هي غاية في الأهمية مثل أن تكون (تلك الأحداث) غير متوقعة أبداً بالنسبة لهذا السياسي، كما تشير إلى افتضاح التكوين النفسي الذي يلعب الدور الأكبر في بناء الشخصية القيادية التي يجب أن تكون عادة بمواصفات مميزة ومهمة.
تصرف أردوغان لحظة سقوط محمد مرسي (3/7/2014) كزعيم إسلامي وليس كرجل دولة، فقد أظهر على الملأ عصبيته وانفعالاته التي رصدتها عشرات الشاشات العالمية التي كانت ترصد الحدث، فيما غابت صورة الزعيم ذي الأعصاب الفولاذية القادر على اجتراح الحلول في وسط الهزات التي تعترض حكمه وهي الصورة التي حاول أن يظهر عليها بعد حدوث تظاهرات تقسيم في استانبول إلا أن صورة أردوغان فيما بعد هذه الحادثة الأخيرة قد ذهبت باتجاه انفلات غابت عنه جميع الضوابط المعتادة لتبرز انفعالات كانت أشبه بمن خسر في «لعب الورق» خسارة فادحة، كانت هذه الصورة الأخيرة قد تبدت بعدما كشف الثنائي التركي (القضاء+ الأمن) الذي يعتبر ساحة نفوذ يلعب بها خصمه اللدود (فتح الله غولن)، عن فضائح فساد طالت شخصيات مقربة من الحزب الحاكم بالإضافة إلى أبناء العديد من الوزراء المحسوبين على أردوغان شخصياً.
ما بعد 3/7/2013 (سقوط محمد مرسي في القاهرة) والذي تلاه في كانون الأول من العام نفسه مسلسل الفضائح المالية والرشا الموصوفة، ما بعد ذينك الحدثين ظهر أردوغان وكأنه بات في وضعية عدنان مندريس (رئيس الوزراء التركي بين (1950-1960) بعد سقوط حليفه في بغداد نوري السعيد (14 تموز 1958) كان التحالف الذي يجمع الاثنين يمثل واجهة غربية- أميركية ضد قاهرة جمال عبد الناصر الذي غالى في توجهاته «الشرقية» والذي كان قد حقق ضربة ساحقة لتلك الجبهة في 22 شباط 1958 (الوحدة بين مصر سورية).
الآن: شكلت محطة 7/6/2015 (الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة) مؤشراً قوياً إلى تراجع شعبي (ولعل الأهم فيه كان في أوساط التجار والصناعيين الذين يمثلون مفاتيح حراكية) تتجلى خطورته عبر تزامنه مع حالة رفع الغطاء الأميركي عنه، جاءت نتائج تلك الانتخابات مخيبة للآمال إن لم تكن مدمرة لها، بعدها ظهر أردوغان بصورة السياسي المستند بظهره إلى الحائط لأنه لا يقوى على الوقوف من دونه، وهو –وفي الآن ذاته لا يملك أي مبادرة هجومية يشنها على خصومه المحليين حتى وإن كانت هذه الأخيرة أكثر من ضرورية لتجاوز الطوق الذي يقترب شيئاً فشيئاً من عنقه مع اقتراب 1/11/2015.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن