ثقافة وفن

يسوع والحب

| إسماعيل مروة

«من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر» كذلك قال يسوع وهو يقدم البراءة والطهر للمجدلية، وأرى المشهد أمامي الآن، وكأنني أسمعه وأراه، وها هم رجالاً ونساء يعودون خطوات إلى الوراء، والأحجار تسقط من أيديهم لأن أعصاب الحقيقة في أكفهم وقفت مع الحقيقة، ولم تعد قادرة على جذب حجر الباطل والاتهام من دون بيّنة، وللتدليل على أن الناس جميعاً هم ضحايا للخطأ والخطيئة، وليس من حق أحد أن يكون ذاك القاضي الذي يخفي خطيئته داخل جوانحه، ويقوم في الوقت نفسه بحساب ومحاسبة آخر علمت حقيقته لجهل منه أو لصدق وعمق إيمان.. ابتعد الجميع وبقيت المجدلية رمزاً من رموز الطهر على الزمان، وكانت الأكثر حزناً في مشهد يسوع الدنيوي الأخير، لا لأنه استطاع تبرئتها وإنقاذها، بل لأنه استطاع الوصول إلى جوهر الصدق، وجوهر الحب في الإنسان، فبكلمته تلك استطاع أن يخاطب الحب في نفوس الراجمين، وأن يدلف إلى الحب المكنون الذي يتخفى وراء لحظة شعبوية تجهل حقيقة الحب.
لم يكن يسوع مالكاً للقوة والسلطان ليمنع الراجمين من إلقاء حجارتهم ورجم المجدلية حتى الموت، لكنه ملك أهم سلاح يمكن أن يملكه الكون وهو الحب، الحب الذي ينتعش بالملامسة والمخاطبة، الحب الذي يفضح مكمن الصدق لدى أي إنسان فيجعله في مواجهة حقيقته التي يحبها، وهل يحب الإنسان أمراً أكثر من ذاته؟
وهل يمتعه في حياته أمر فوق الحب؟
سواء سمّاه خطيئة أم لم يفعل، لكنه في حقيقة الأمر ذاته التي يحبها، وحين قابلت عيناه عيني المجدلية ظهرت كوامنه، وطفا الحب الأبدي، الذي لم يكن آلياً، فسقط الحجر، وبقيت المجدلية رمزاً لطهر ونقاء وبراءة.
قريبة من يسوع
معجزة لكلمة يسوع
بالكلمة الحب، وهو من قال: الله محبة.. أنقذ الإنسان، ولم ينقذ المجدلية، أنقذ الإنسان من أن يكون قاسياً وراجماً وقاتلاً، أنقذه من أن يكون منكراً للذات الإلهية، أنقذه من أن يبلغ مرحلة يتخيل فيها ذاته إلهاً قادراً على المحاسبة وعلى إنهاء بذرة من حب الإنسان، وطهر كينونة الإنسان!
يكتمل المشهد
يقول يسوع
يسمع الراجمون
وتسقط الأحجار.. ويتراجع الراجمون
المجدلية لا تصدق ما جرى
وتتفتح مسامات الحب لتكتمل دورة الحب في رحم الروح الموصولة بالألوهة، لتتحول الحياة إلى كينونة من حب، تجعلنا على يقين بأن يسوع كفّر خطايانا، ودفع ثمن ما فعلناه، وأراد أن يغفر لنا عند الخالق.
وما بين تبرئة المجدلية وتحمّل الخطايا رحلة حب
تكتمل هذه الرحلة عند يسوع الذي تمكن من كشف جوهر الحب، وأعطى ثمرة الحب لنا في درب آلامه الممتد، وهو يحمل خشباته في طريق الحياة
الطريق الممتدة ما بين قمة ومنحدر
ما بين حب وكره
ما بين عفو وإدانة
ما بين تذكر ونسيان
ما بين ألوهة وإنسانية
لأن يسوع يحبنا، أكمل دورة الحب بأن حمل خطايانا، ولم يطلب منا أن
نغفر للمجدلية وحسب
ولم يعمل على إيقاف الرجم لأنه يريد ذلك
فعل ذلك لأن الله محبة
فعل ذلك لأن المجد في العلا
والمجد يفعل كل شيء.. وفي الأرض المسرّة
في الأرض حياة هي الحب
في الأرض رحلة هي المسرّة بالحب الذي كأنه الرب وأراده لنا..
والجوهر في الحب هو العلا
هو المجد
هو ساكن العلا رمزاً لا مكاناً
هو صاحب المشيئة
هو من أراد لنا المسرّة على الأرض والسلام
وهل تكون المسرّة؟ وهل يكون السلام بغير الحب؟
من كان منكم بلا خطيئة
وقعت الأحجار لأنه ما من أحد بلا خطيئة
واستيقظ الحب لأن الآخر تلاشى في الأنا
وصارت حالة ما بين الخطيئة والظاهرة المخفية..
وكان الحب
كانت رسالته الحب
وكان إنجيله الحب، والحب وحده
لم يعد بحرب مقدسة
ولم يعط تفويضاً للتحدث باسم الرب
طهّر المجدلية الفرد
وقدس المجتمع كله لأنه مجموعة من مجدليات ومجدليين!
حمل خطايانا في درب آلامه، وفي رحلته الأبدية، وأرادنا أن نكون أبناء الحب، فلا تعلمنا ولا أحببنا!
كم من أم رجمنا؟!
وكم من أخت ظلمنا؟!
وكم من مجدلية لم تسمح لأعيننا أن تقابلها؟!
كم قرعنا طبول الحرب باسمه المقدس؟!
كان للحب والمتعبين، واستبدلنا خبزه في المناولة..
صار خبزه ملوناً بالذهب على الصدر، وفي الصليب
درب آلامه طويل، وصليبه مشبع بالماء، ودربنا ظلام، وصليبنا مشبع بالمال والذهب..
حمل آلامنا وتركنا له الألم كله
أرادنا رحماء، ففلسفنا رحمته بقسوة، وقتلنا وظلمنا وحاربنا
بحث عن نقطة ضوء في آخر درب الآلام
وبحثنا عن النوافذ لنطمس الضوء القادم إلينا
حجبنا نور الله، ولبسنا سواد الحرير
للحب نادى يسوع
وبالحب غادرنا
فعلى أي حال تصحو؟
وماذا نقول عندما نخاطبه؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن