ثقافة وفن

في مهرجان الحسكة المسرحي.. «عويل» مونودراما

| الحسكة - دحام السلطان

تناول العرض المسرحي «عويل» الذي قدمته فرقة المسرح القومي بالحسكة، في مستهل العروض المسرحية لدورة المهرجان المسرحي في نسختها السابعة، والذي بطبيعته العامة جاء مكمّلاً أو متمماً لسلسلة عروض مسرحية طويلة ومتواصلة من عروض المسرح القومي في الحسكة، على الرغم من أنه في مضمونه الحقيقي يعتبر مختلفاً عن تلك العروض في الشكل والمعنى في آن معاً، عندما يتناوب ممثلان على أداء دور شخصية واحدة، وهنا تكمن مفاهيم الحرفية والتقنية التي خبرناها عن مخرج العمل الفنان «إسماعيل خلف» من خلال إضفاء وزرع لمساته الإبداعية في محتوى النص بمفهومه المجرّد، قبل أن يتمرّد عليه ويقوم بقلب الحالة التقليدية فيه إلى حالة إبداعية متعدية جديدة.
مخرج وكاتب النصف الجديد من العمل الفنان المسرحي إسماعيل خلف: أكد أن العرض مأخوذ من نصين يندمج كلاهما ضمن إطار مسرح «المونودراما»، وهما «أكلة لحوم البشر» للراحل «ممدوح عدوان» و«صراح اللوحة المهزومة» الذي كتبه الفنان «خلف»، موضحاً: أن رغبته كانت تكمن في التوليف بين النصين، من شأنها إضفاء طابع جديد على النص الذي كتبه «عدوان» والذي عُرض فيما بعد لمرات عديدة، حتى أصبح مألوفاً لدى الكثيرين من المهتمين بالمسرح على اتساع مساحة الوطن العربي.
وبيّن خلف: أنه قام بكسر حالة «المونودراما» بمفهومها التقليدي المتعارف عليه لدى جمهور المسرح، بإيجاد شخصيتين على الخشبة بدلاً من الواحدة، ليجسدا الحالة ذاتها، ولاسيما أن الشخصية الرئيسة في العمل تعاني شيئاً من «الفصام» بحسب نص «صراع اللوحة المهزومة» الذي أضافه إلى الشخصية الرئيسة، على اعتبار أن من أدى الدور من خلالها هو مدرّس فلسفة وفنان تشكيلي أيضاً، وهنا قمت بإدخال الكثير من الإرهاصات التي يعاني منها الفنانون جميعاً!! في مجتمع يعاني الكثير من الأمراض!
وتابع الخلف: حاولت قدر الإمكان أن أنطلق من الخاص نحو العام وبشكل غير مباشر، انطلق من مسألة أو مفهوم «أكلة لحوم البشر» حسب مفهومها الشعبي الدارج، بأن الإنسان يأكل أخاه الإنسان نتيجة لانعدام الإنسانية في هذا المجتمع، واستنتاجاً طبيعياً لما ارتكبته المجموعات الإرهابية المسلحة من انتهاكات ظلامية إجرامية سوداء داخل هذا الوطن.
ولفت الخلف: إلى أنه حاول إضفاء حالة التعبير عن حالة الضيق الذي تعانيه الشخصية، من خلال حصر حالة العرض لمدة 48 دقيقة في مساحة متر ونصف المتر، اعتمد فيها بشكل أساسي باللعب على الممثل بعيداً عن التقنيات الأخرى، من خلال اعتماد العرض على إضاءة «سبوت» واحد فقط يتغير لونه ثلاث مرات خلال فترة العرض في هذه المساحة الضيّقة من الخشبة، مع وجود بعض المقاطع الموسيقية التي اعتمدت بمجملها على الآهات البشرية «موضوع وفكرة العمل»!!!
وقال الفنان باسل حريب: جسدنا أنا وزميلي الفنان عبد اللـه الزاهد، شخصية «عماد الدين عمار» الفنان التشكيلي المثقف الذي يحمل إجازة في الفلسفة ويعاني من «فصام» في الشخصية، نتيجة لمجموعة من العوامل الخارجية ومن ضمنها ما تتناوله وتبثه وسائل الإعلام، التي كان لها الدور المباشر الذي أدى به إلى هذا «الفصام» في الشخصية، إضافة إلى ثقافته وفلسفته الخاصة به التي جعلته ينظر إلى الآخرين على أنهم «أكلة لحوم بشر»!؟ لتبدأ هنا هواجسه وتخيّلاته، انطلاقاً من علاقته بأسرته، وخاصة شقيقه «فوزي» وزوجته لتتوسع الدائرة شيئاً فشيئاً إلى كل ما يحيط به.
وأوضح حريب: أن العرض يمر في عدة مراحل، فهو ليس بمرحلة تصاعد وحيدة، بل هناك عدة مراحل متصاعدة، إضافة إلى غناه بما يرضي غرور الممثل حيث يتراوح مستواه بين «التراجيديا» و«الكوميديا»، مع الأخذ بعين الاعتبار الاعتماد على أسلوب ترك مساحة واسعة للجمهور لتخيّل المشهد، في الوقت الذي اتسم فيه العرض بخلوه من أي قطعة ديكور مساعدة، واختصار وجوده ضمن مساحة جزئية صغيرة من خشبة المسرح، وهي بذلك تعطي المجال للمشاهد، حرية التفسير والتخيّل والفهم لما تعنيه الحالة برمتها من معنى.
ولفت حريب: إن أكثر الأمور التي واجهناها على مستوى التمثيل هو الفعل المشترك بينه وبين من شاركه الظهور على الخشبة، الفنان «عبد اللـه الزاهد» من خلال مراحل أراد وإياه منها أن تكون ثنائية تحمل نفس الفعل في نفس الوقت، وأحياناً أراد منها كسر هذه الثنائية وكل هذا كان يجري في هذا المكان الصغير من الخشبة، الذي رفع من مستوى حالة العبء عليهما كممثلين، وعلى مخرج العمل «إسماعيل خلف» بشكل خاص، إلا أنه اعتبر ذلك على الصعيد الشخصي تجربة جديدة منحته الثقة من مخرج العمل، متمنياً أنه كان على مستوى ثقته، وأنه قدّم شيئاً جديداً ومختلفاً عن العروض السابقة بالنسبة إليه.
وأوضح الفنان «عبد اللـه الزاهد»: أن شخصية «عماد الدين عمار» في عرض «عويل» هي لفنان تشكيلي ومثقف لديه «فصام» في الشخصية ومصاب بلوثة دماغية، حيث كان بطبيعته ينظر إلى العلاقة الإنسانية بين أخيه وزوجته هي علاقة تنتمي في جوهرها إلى المفهوم الذي يجسده «أكلة لحوم البشر»، ويرى أيضاً أن المرأة الحامل هي من يبتلع الطفل داخل جوفها، مبيناً: أن جوهر العرض يعتمد على الممثل أولاً وأخيراً، حيث بقعة الضوء الذي يجسد من خلالها عالمه الداخلي، ومن ثم يتابع العالم الخارجي من خلال تلك البقعة، والتي يرى نفسه فيها أنه منقذ للبشرية، لكنه في نهاية المطاف ينتهي به الأمر في مشفى المجانين!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن