قضايا وآراء

إدارة ترامب الشعبوية انتهكت حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي

| د. قحطان السيوفي

سيُسَجَل في ذاكرة التاريخ أن رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب، رجل أعمال متهور، ضعيف الخبرة السياسية، أدار أكبر دولة في العالم كشركة خاصة، استباح شرعة حقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة وقواعد النظام العالمي.
ترامب، شعبوي، عنصري، يكره الأجانب متحيز للصهيونية، أصدر قراراً بنقل سفارة أميركا إلى القدس، كما أصدر قراراً يعترف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل، ونجح في شفط المليارات من أموال النفط لحكام الخليج، دعم التنظيمات الإرهابية ومنها داعش وجبهة النصرة ومموليها، وفرض عقوبات اقتصادية ظالمة على دول وشعوب لأنها تحارب الإرهاب، فالشعبوية في الغرب بين مد وجزر.
في الولايات المتحدة، ترامب لم يضع حدا لشهية غرائزه الحمائية، حتى في بريطانيا، حيث فازت القومية الاقتصادية بانتصار لها على العولمة والتعددية الثقافية في استفتاء «بريكست» عام 2016، كل ذلك في سياق فكري سياسي شديد الاضطراب، ناجم عن صعود العصبية الغربية البيضاء التي أوصلت ترامب إلى الرئاسة، ورسوخ غطرسة القوة في أذهان النخب السياسية والعسكرية الأميركية والموجة الهوجاء من الشعبوية الاستبدادية العنصرية.
في ظل إدارة ترامب، هُزت مفاهيم الديمقراطية الغربية وأضعفتها، وهذا بات من المواضيع المهمة التي تثير نقاشاً حاداً في التيار السياسي السائد في الغرب.
بالمقابل، الشعبوية الترامبية الحمائية أساءت لليبرالية الاقتصادية، وتشكل أكبر تهديد للانتعاش الاقتصادي العالمي، وخاصة أن ترامب أظهر عداء واضحاً للتعاون الدولي وانسحب من الاتفاقات الاقتصادية الدولية والإقليمية. أكاديميون من أرقى الجامعات والمراكز الفكرية في الولايات المتحدة يعتقدون أن ترامب عرض النظام الديمقراطي في أميركا للخطر وأن ذلك أصبح جزءاً من أزمة عالمية أوسع نطاقا. أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد، ياشا مونك، نبه في كتابه: «لماذا تتعرض حريتنا للخطر؟» إلى خطورة ظاهرة انتخاب الساسة الشعبويين كالرئيس ترامب: «للمرة الأولى في تاريخها، انتخبت أقدم وأقوى ديمقراطية في العالم رئيساً يزدري بشكل علني الأعراف الدستورية الأساسية، انتخاب شخص كترامب ليتقلد أعلى منصب في الدولة، هو نذير شؤم سيئ جداً»، بيانات الدراسات الاستقصائية توضح الدعم المتراجع للديمقراطية في كل أنحاء الغرب، وتُحقق الأحزاب اليمينية الشعبوية المتطرفة فوزا مهما في الأصوات الانتخابية في كل أنحاء أوروبا. قرار المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل السماح بدخول أكثر من مليون لاجئ إلى ألمانيا في إطار سياسة الباب المفتوح التي انتهجتها جعل جميع الشعبويين في كل أنحاء العالم يجمعون على إدانة ميركل، حيث وصف ترامب سياسات الهجرة التي تنتهجها المستشارة الألمانية بأنها «سياسة مجنونة».
بالمقابل اعتبر الليبراليون أن ميركل أصبحت بطلة، وأشاد بها البعض على أنها «زعيمة العالم الحر».
الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي أخفقت جميعها في التعامل مع موجة الهجرة بشكل مباشر، لذا فإنهم يعملون على تأجيج النار الشعبوية وبالتالي تعمل النزعة الدولية المندفعة على إنشاء نقيضها، وهي نزعة شعبوية جامحة بشكل متزايد بدلالة سياسة إدارة ترمب.
وتعتبر خطة الترحيل الجماعي للمهاجرين غير الشرعيين، التي دعا إليها الأنصار الأكثر حماساً لترامب نموذجاً همجياً للوحشية التي ينفر منها المجتمع الدولي، إذ إن قرون الهيمنة الغربية على النظام العالمي هي في طريقها إلى الانتهاء، لذلك فإن ترامب استغل هذا الخوف من تراجع الغرب، من خلال وعده الذي يتسم بالحنين إلى الماضي في شعار: «لنجعل أميركا عظيمة» ونهج ترامب هذا قد يكون في الواقع التهديد المباشر لكثير من القيم والإنجازات، التي جعلت أميركا دولة مهمة.
الشعور بالإحباط لدى ترامب متجذر في عدم قدرته على تفهم مهامه كرئيس، فهو محصور في المكتب، وليس في السلطة وبمعنى آخر تبين أن مُعظم الوعود التي أطلقها خلال حملته الانتخابية لا تزيد على ذلك، أي إنها مجرد وعود، باستثناء وعوده العنصرية الصهيونية. كل ذلك ألحق ضررا فادحا بسمعة الولايات المتحدة، وتسبب ترامب في تراجع النفوذ الأميركي في مختلف أنحاء العالم، وهي أمور يصعب التوفيق بينها وبين إعادة أميركا إلى مجدها السابق، كما يقول الخطاب الذي يراهن عليه ترامب.
لا يمكن أن يكون من قبيل المصادفة أن نسبة التأييد التي يحظى بها الرئيس ترامب في هذه المرحلة من فترة ولايته، هي الأدنى في التاريخ الأميركي، عبر مقارنتها بنسب أسلافه من الرؤساء، و«قاعدة» ترامب ستكون خاسرة بسبب حروبه التجارية، وبسبب تخفيضاته الضريبية للأثرياء جدا.
ترامب وأمثاله حين تعلو أصواتهم على أفعالهم، يقدمون حلولا متهورة لتحديات مستعصية في المجال الذي استطاع فيه ترامب تحقيق النجاح، هو التدمير الوحشي لمفهوم الحقيقة الموضوعية، إضافة لنجاحه في شفط مئات المليارات من أموال حكام النفط في الخليج. السفير الأميركي ويليام بيرنز، مساعد وزير خارجية أميركا للشؤون السياسية بين عامي 2008 و2011، ونائب وزير الخارجية لاحقاً يرى قي كتابه بعنوان «القناة الخلفية»، صدر هذه السنة، أن الوضع الأسوأ للدبلوماسية الأميركية هو ذلك السائد مع إدارة ترامب الحالية التي تمتلك تصوراً للعالم باعتباره غابة، والتي تشرع في هدم كل منجزات الدبلوماسية الأميركية منذ عقود على الصعيد الدولي. بيرنز دبلوماسي مخضرم يحاول دق ناقوس الخطر لأن الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب كقوة دولية، لم تعد تمتلك إستراتيجية بالمعنى الفعلي للكلمة تسمح ببناء التحالفات والتوافقات الضرورية، لوقف انحدارها المتسارع.
الخبير السنغافوري في العلاقات الدولية كيشور محبوباني يُحذر في كتابه الجديد: «هل خسرها الغرب؟» من أن الغرب آخذ في الخسارة ولا يمكنه إدارة شؤون العالم. وهو يحتاج لوقف أسلوبه التدخلي الغبي والمتغطرس، مشيراً إلى شعبوية حكم الأغنياء الذي أصبح سمة مميزة لفترة حكم ترامب. لا يخفى أن الديمقراطية الغربية تعيش أزمة في ظل الشعبوية والإرهاب. وهناك موجة جديدة من الاستبدادية آخذة في اجتياح العالم مع تزايد ظاهرة الشعبوية مع وجود ترامب في البيت الأبيض، وخاصة أن الاقتصاد الليبرالي لم يحقق ما كان يرجى منه، والصحيح هو أن غطرسة القوة والليبرالية الاقتصادية ذات الإدارة السيئة ساعدت في زعزعة استقرار السياسة. هذا يساعد في تفسير رد الفعل القومي الشعبوي في البلدان المتقدمة اقتصادياً وخاصة في ظل إدارة ترامب الشعبوية العنصرية التي انتهكت حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي، وحاصرت الشعوب اقتصاديا وأساءت لليبرالية وأضرت بالاقتصاد العالمي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن