قضايا وآراء

إعلان كوشنر بين تصفية القضية وخنق السوريين

| مصطفى محمود النعسان

أعلن جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وصهره، أن خطة السلام الأميركية ستعلن بعد شهر رمضان وحث الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على تقديم التنازلات.
والحق أن الكلام عن إعلان الخطة تكرر أكثر من ثلاث مرات دون أن يتم وليس بالضرورة أن يتم هذه المرة.
بالتأكيد فإن جانب الإعلان عن الخطة مهم في هذا التصريح ولكن الأهم منه الشق الثاني الذي يحث الجانبين على تقديم التنازلات ذلك أن كوشنر هنا يساوي بين الحق والباطل بين المغتصب والمغتصبة أرضه بين الضحية والجلاد إذ إن من يقدم «التنازلات» يفترض في المنطق أن يكون الطرف المعتدي وليس صاحب الحق، أما أن تتم المساواة بين الطرفين فذلك يعني في أقل القليل الذي يعنيه، أنه انتفاء للمنطق وانحياز للباطل ضد الحق وأهله.
طبعاً هذا الأمر يجاهر به كل أزلام إدارة ترامب، وعلى رأسهم الأخير، ولا يستحييون بل يفخرون ويتفاخرون، وما يعنيه ذلك هو نسف الأمم المتحدة بطوابقها الثمانية والثلاثين نسفاً تاماً، وهذا يعد إرهاباً موصوفاً يساوي من حيث المبدأ بل يفوق مرات ومرات، إرهاب القاعدة وداعش وقبل هؤلاء، يساوي إرهاب الصهاينة بكل ما حفل به سجلهم الإرهابي من جرائم منذ عام ١٩٤٨ وحتى الآن، وإذا كان الأمر على غير هذه الشاكلة فما معنى أن يتم القفز على قرارات الشرعية الدولية ولاسيما القرارين ٢٤٢ و٣٣٨ ومبدأ الأرض مقابل السلام الذي قام على أساسه مؤتمر مدريد عام ١٩٩١.
أيا كان الأمر لن يكتب لخطة كوشنر النجاح بتاتا ذلك أن من يريد أن تثمر جهوده في إقامة السلام يشترط فيه أن يكون وسيطاً عادلاً ونزيهاً ويحتكم في منطقه إلى قرارات الشرعية الدولية، أما أن يحاول مهندس الخطة المشؤومة المسماة «صفقة القرن» كوشنر وغيره من الإرهابيين المتصهينين في إدارة ترامب، أن يسوقوا أنفسهم دعاة سلام بعد كل ما أنجزوه وينجزونه لمصلحة «إسرائيل» ولاسيما اعتبار القدس عاصمة للكيان الغاصب وضم الجولان المحتل له، فهذا يعني من ألفه إلى يائه، الأمر الآخر وهو الاستخفاف بالعرب جميعاً ونسف حقوقهم في مظهر من الوقاحة والعهر السياسي الأميركي غير مسبوقين على الإطلاق.
المشين الغريب في الأمر أنه رغم كل ذلك يتسابق معظم الحكام العرب لخطب ود ترامب وإدارته وتنفيذ ما يمليه عليهم ولا نقصد هنا دول الخليج التي جاهرت بعهرها السياسي وخيانتها دون خجل أو حياء، بل نقصد فيما نقصد من تسمي نفسها أم الدنيا وأرض الكنانة من تسمي نفسها مصر العروبة وأين العروبة من أفعالها وسياساتها؟! وهي التي جعلت من قناة السويس التي يعود الفضل الأكبر في نجاح خطة تأميمها إلى البطل العربي السوري جول جمال جعلت منها حبل خناق على رقاب الشعب السوري إذ تصادر وتمنع مرور ما يأتيه من محروقات هو بأمس الحاجة إليها.
أتراني ابتعدت عما بدأت به؟! قد يبدو الأمر في ظاهره كذلك ولكنه في الجوهر يدور حول محور واحد ذلك أن فقه العروبة التي اشتهرت به دمشق لا يحتمل تعدد التفسيرات ولا تعدد الوجوه وكل قرار يأتي مناقضا لسياساتها أو محاولا فرض الخناق عليها لتركيعها واستسلامها هو مؤامرة واضحة جلية على القضية الجوهر قضية فلسطين ويأتي في السياقات نفسها والسياسات ذاتها التي يبتغيها كوشنر من خطته الهادفة بالأساس إلى تصفية القضية والقضاء عليها قضاء مبرما، وذلك بحثّه الجانب الفلسطيني على تقديم التنازلات، والخطوات والمؤامرات التي تضعف محور المقاومة وفي مقدمته دمشق وتصب في هذا المنحى وتخدم هذه السياسات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن