قضايا وآراء

«الجولان» يضبط البوصلة ويلجم أبواق «المعارضة»

| عمار عبد الغني

لم يفاجئنا الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعلانه الاعتراف بـ«سيادة» الكيان الإسرائيلي على الجولان السوري المحتل، فرجل ينسحب من المنظمات والهيئات الدولية ومن اتفاقيات أخذت سنوات لعقدها، واعتبر القدس عاصمة للكيان، لم يتوان في اتخاذ مثل هكذا قرار، لكنه لو فكر قليلاً وتوقّع هذا الكم الهائل من الإجماع الدولي الرافض للقرار، وخروج جميع شرائح الشعب السوري على امتداد الوطن في تظاهرات أكدت على حتمية عودة الجولان إلى الوطن الأم ولو بالحرب، لما كان قد أقدم على تلك الخطوة.
الهبّة الشعبية التي شهدتها جميع المحافظات السورية أكدت وقوفها إلى جانب وطنها وأهلنا في الجولان وتقديم الغالي والنفيس كي لا تُسلب منه هذه الأرض العزيزة، حققت هدفين لهما من الأهمية ما يستحقان الذكر.
فالهدف الأول هو أن هذه الهبة أظهرت مستوى قوة ووحدة في نسيج سورية الوطني، كنا بحاجة له بعد أكثر من ثماني سنوات من الحرب الإرهابية التي شنت على بلادنا والتي ترافقت مع الكم الهائل من الضخ الإعلامي المعادي الذي بمجمله يستهدف هذا النسيج.
فمما لا شك فيه، ليس هناك من قضية مثل قضية الجولان ليلتف السوريون حولها ويتوحدون، ولاسيما إزاء قرار مثل القرار الذي اتخذه ترامب، هذا وإن كانت مسألة القضاء على الإرهاب وطرد قوات الاحتلال الأميركي والتركي من البلاد على درجة عالية من الأهمية، وبالتالي ما كان لهذا الحراك الجماهيري الذي ما زال مستمراً إلى الآن، إلا أن أعاد بوصلة الوطن إلى وجهتها الصحيحة، بمعنى أن مواجهة الولايات المتحدة الأميركية والعدو الإسرائيلي اللذين فجرا وقادا الحرب الإرهابية على سورية وكبداها آلاف الشهداء ودمرا بناها التحتية، لها الأولوية، وهي الوجهة الوحيدة التي تشكل معياراً للوطنية والانتماء الحقيقي للأرض والوطن.
كما أن هذا الحراك مثّل إدانة واستنكاراً للتنظيمات الإرهابية والمليشيات المسلحة وشدد على حتمية مواجهتها عسكرياً والقضاء عليها، كونها تعاونت مع الاحتلالين «الأميركي والإسرائيلي» وتلقت منهما جميع أنواع الدعم العسكري واللوجستي والسياسي، لممارسة الإجرام بحق هذا الوطن وشعبه، وكان لهما الدور الهدام الأكبر الذي أثر على منعة سورية واستنزاف قدراتها على جميع الصعد.
في مطلق الأحوال، فإن هذا الحراك الشعبي والجماهيري أظهر «تعبئة عامة» نبعت بشكل ذاتي، كانت ملحة وضرورية، لاسيما في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سورية، ووسط توقعات قيام الجيش العربي السوري وحلفائه في محور المقاومة بالرد على تمادي «إسرائيل» في غيها، وتطور هذا الرد إلى حرب واسعة تشمل المنطقة برمتها.
أما الهدف الثاني الذي تحقق من هذا الحراك، هو أنه بالتزامن مع التضامن الدولي الواسع ضده والذي شمل حكومات أوروبية وأنظمة عربية، واظبت على الانخراط في الحرب الإرهابية على سورية، قطع لسان أبواق ما تسمى «المعارضات» المرتبطة بتلك الحكومات والأنظمة، لتوظيف القرار واستثماره للنيل من مواقف دمشق وتحميلها أي مسؤولية، بل على العكس من ذلك، إذ إن الإدانة الدولية وحتى العربية، المعادية، الرافضة للقرار، أدان العملاء والخونة من السوريين الذين ارتهنوا للخارج وتعاونوا مع الأميركي والعدو الإسرائيلي في سياق تدمير سورية، وتحميلهم الجزء الأكبر، إذا لم يكن كله، من مسؤولية تجرؤ ترامب على اتخاذ هذا القرار.
ربما يكون في القرار الأميركي، عامل مساعد في تحديد الأولويات، بعد أن خان دور بلاده كــ«راعٍ للسلام» لأعوام طويلة، حيث يعطي هنا الحق الكامل لسورية دولة وجيشاً وشعباً لاستعادة حقوقها عبر الخيار الوحيد المنحصر في القوة وهي اللغة الوحيدة التي يفهما الكيان.
سورية في مرحلة تماشت مع الرأي العام العالمي والمنظمات الدولية لاستعادة الحق دون إراقة للدماء، لكن بعد أن تبيّن بالدليل القاطع وعلى رؤوس الأشهاد، أن ما يقارب ثلاثة عقود من المفاوضات التي شابها الكثير من التفكير جراء مماطلة كيان الاحتلال الإسرائيلي وعدم رغبة الإدارات الأميركية المتعاقبة في إحلال السلام، فإن سورية حسمت خيارها القديم الجديد بأن «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة» وهي ماضية في هذا الخيار، والأيام بيننا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن