قضايا وآراء

روسيا وتجاوز الاشتباك الإقليمي

مازن بلال :

إن صحت المعلومات المسربة عبر التقارير الأميركية؛ فإننا أمام مشهد جديد كليا للأزمة السورية، ورغم التصريحات الروسية المتكررة حول صفقات السلاح إلى سورية، لكن القلق ليس من تحرك موسكو بل من طبيعة التفكير العسكري الذي بات يحكم مسار أي حل سياسي، فالجسر الجوي الروسي إلى سورية يشكل «سابقة» لم نشهدها إلا في ذروة الاشتباك الدولي، وربما كان آخر «جسر جوي» عام 1982 بعد الاجتياح «الإسرائيلي» للبنان، وفي تلك المرحلة كانت الأزمة أيضاً هي نشر منظومة صواريخ دفاعية مضادة للطائرات سام 5 (المعروفة غربيا S200)، وهي المنظومة التي حددت خطوطا حمراً تجاه أي اعتداء على سورية.
وفق المعلومات التي تسربها الوكالات الغربية فإن نظام دفاع جوي بانتسير A1 هو الذي يتم نشره اليوم (SA22)، وهو ضمن المنطق المباشر لا يرتبط بالصراع مع المجموعات الإرهابية التي لا تملك أساسا أي طائرات قتالية؛ ما يدفع إلى النظر باعتبارين أساسيين:
– الأول أن الحديث عن مساعدات عسكرية روسية يندرج ضمن إستراتيجية عامة هدفها دعم الدور «الجيوستراتيجي» للجيش السوري، وذلك بعيداً عن مسألة الحل السياسي للأزمة الذي يتم التحرك بشأنه، فما تراه موسكو هو الدور العسكري القادم في مواجهة الإرهاب، وتأمين توازن قوي لسورية ضمن أي تحالف إقليمي قادم لمحاربة الإرهاب.
إن هذه الرؤية يدعمها العديد من التصريحات الروسية، وعلى الأخص ما قاله وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، عندما أكد أن موسكو ستواصل تزويد الجيش السوري بالأسلحة باعتباره القوة الأكثر فعالية في مواجهة تنظيم «داعش»، فالاهتمام الذي يتجه اليوم نحو التسلح هو تأمين سورية في مواجهة «تحالفات محتملة»، وإعطاؤها خيارات أقوى ضمن التشكيلات الخاصة للحرب على الإرهاب.
– الثاني تضييق الخيارات العسكرية المتعلقة بالسيادة الكلية لسورية، فالاشتباك الإقليمي اليوم لم يعد مفتوحا كما في السابق، والبحث عن قوة عربية أو إقليمية تتعامل برياً مع سورية بغض النظر عن قرار الحكومة سورية أصبح أمراً صعباً، وبالتأكيد فإن موسكو لن تبحث عن صدام مباشر على الأرض السورية، لكنها وفق المؤشرات تسعى لكسر احتمالات نشوء تحالفات تستبعد الحكومة السورية كليا.
عمليا فإن مسألة اللاجئين السوريين فتحت مجالاً واسعاً لحلول تبدو أكثر تطرفاً، وربما «مغامرة»، تدفع للبحث مجدداً في مسألة المناطق العازلة، أو في دفع «قوة إقليمية» للتدخل بشكل مباشر داخل الأزمة السورية، وهو ما يجعل الحديث عن «مساعدات» عسكرية روسية جزءاً من السيناريو البديل الذي يحاول تخفيف حدة الاندفاع نحو «الحرب المباشرة»، ومع إضافة موضوع «المناورات الروسية» في شرق البحر المتوسط، فإن إبراز «جدية موسكو» يأخذ المدى الأوسع في تحييد الكثير من الخيارات العسكرية المطروحة اليوم.
التحرك الروسي عبر مسألة تسليح الجيش السوري، وبغض النظر عن صحة المعلومات المسربة، هو تجاوز كامل لمسار تشكل خلال العام الحالي، وتم من خلاله التحول نحو القضية الإنسانية بعد الفشل في كسر التوازن العسكري على الأرض، وعلى الأخص بعد معارك محافظة إدلب، وتوضح خريطة الأحداث أن التأثير العسكري للمجموعات المسلحة لن يغير من الخريطة السياسية في حال حدوث مفاوضات، ولن يؤدي إلى مناطق «وصاية» جديدة على الحدود السورية رغم غياب سلطة الدولة عن بعض مناطق تلك الحدود، فهناك ما هو أبعد من تأسيس تحالفات للمجموعات المسلحة، وهناك أيضاً جغرافية سورية يصعب فرض توازنات عليها بشكل تعسفي، وما نشهده اليوم ليس جسراً جوياً روسياً بل أيضاً اختبار لنوعية الشرق الأوسط القادم، ولمفهوم السيادة داخل دوله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن