ثقافة وفن

اختبارات لقياس درجة التفاؤل … عند الإنسان في مختلف مراحله العمرية

| سارة سلامة

كتاب حديث صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب بعنوان «قوة التفاؤل.. تعلم الثقة بالحياة» تأليف مارتان سيليغمان، وترجمة الدكتور غسان السيد. وهو من الكتب المهمة التي تسهم في تطوير الذات وتقويتها ومدها بكامل الثقة والشجاعة والتفاؤل الذي ينعكس بشكل عام على الصحة العقلية والجسدية ويعطي انعكاسات إيجابية لها علاقة بالأشخاص أنفسهم وكذلك مع الجو المحيط. وهو ما دفع السيد إلى حث القراء على قراءة الكتاب كله من أول كلمة إلى آخر كلمة. كما نصح مراكز البحوث المتخصصة بالاستفادة من الاختبارات الموجودة فيه. ولاسيما أن مجتمعنا يعاني أزمات نفسية مركبة بسبب طبيعة الأزمات التي نمر بها.

قياس درجة التفاؤل
وفي تقديم الكتاب يقول الدكتور السيد: «تأتي الأهمية الخاصة لهذا الكتاب من الاختبارات العديدة التي صممها المؤلف من خلال دراسات معمقة أجراها في أهم مراكز البحوث الأميركية، التي تستفيد منها أهم شركات التأمين في الولايات المتحدة من أجل توظيف موظفين جدد على درجة عالية من التأهيل والاستعداد النفسي، إن الاختبارات الموجودة في هذا الكتاب، التي صممت لقياس درجة التفاؤل عند الإنسان في مختلف مراحله العمرية، تفيد المؤسسات التي تعمل على تطوير برامج عملها، كما تفيد المؤسسات التي تعمل على تطوير التعليم، لأن هذه الاختبارات تحدد مدى قدرة كل شخص على تحمل أعباء العمل الذي سيقوم به، إن دراسة طريقة تفسير الشخص لمصاعب الحياة التي تواجهه تدل على توجهاته المستقبلية إذا كانت طريقة التفسير متشائمة وتحمل صفة التعميم والديمومة والشخصية فإن لذلك تأثيرات كبيرة في حياة الشخص، وتؤدي غالباً، إلى الدخول في اكتئاب حاد، أما إذا كانت طريقة التفسير متفائلة فإن الإنسان ينهض ثانية حين يواجه صعوبة معينة في حياته.
وللكتاب أهمية خاصة أخرى هي أنه يدرس المشكلات النفسية التي يتعرض لها الأطفال حين يقعون ضحية المشكلات الأسرية المختلفة، وقد عمل المؤلف على تصميم نماذج خاصة من الاختبارات التي تساعد الوالدين على اكتشاف درجة خطورة الاضطرابات النفسية التي يمكن أن يتعرض لها أطفالهم ومحاولة معالجتها قبل أن تزداد خطورتها».

الشعور بالعجز ليس نادراً
وفي الباب الأول وتحت عنوان «الشعور بالعجز ليس شعوراً نادراً» يقول المؤلف إنني: «فهمت لما كان عمري ثلاثة عشر عاماً، أنه حين كان والداي يرسلانني لقضاء ليلة عند أفضل صديق لي، وهو جيفري، كان ذلك يعني أنه توجد مشكلة كبيرة في البيت، آخر مرة حدث هذا، عرفت، بعد ذلك، أن أمي أجرت عملية استئصال رحم.
في هذه المرة، كان من الواضح أن أبي هو الذي كان يعاني، رافقني إلى بيت جيفري في ذلك المساء وفجأة أخذ شهيقاً عميقاً وركن السيارة جانب الرصيف، بقينا لفترة طويلة صامتين، ثم أخبرني، في دقيقة أو دقيقتين، أنه فقد الإحساس بالجانب الأيسر من جسده، إن الرعب الذي ظهر في صوته انتقل إلي بسرعة كان عمره تسعة وأربعين عاماً فقط وكان لا يزال بكامل صحته، بعد دراسات مرموقة في الحقوق، ونتيجة لأزمة الثلاثينات الكبيرة، فضل الأمن الذي تؤمنه وظيفة على عدم اليقين في وظيفة تؤمن دخلاً أفضل، من دون شك، اتخذ أول قرار شجاع في حياته حين طلب العمل في ولاية نيويورك. كنت فخوراً به بالنسبة إليّ. لقد مررت بأول أزمة في حياتي، في ذلك الوقت في بداية العام الدراسي، في تلك السنة أخرجني والدي من المدرسة الرسمية التي كنت سعيداً فيها، لأجل إرسالي إلى مدرسة عسكرية خاصة، وكان مقتنعاً أنها المؤسسة الوحيدة في مدينة ألباني التي يستطيع طلابها دخول جامعات مرموقة، فهمت سريعاً أنني كنت الصبي الوحيد القادم من الطبقات الوسطى بين أطفال الأغنياء. شعرت بالتهميش والوحدة بشكل سريع».

قوة فاعلة في جوانب حياتنا
أما في الباب الثاني فيتطرق إلى (قوة فاعلة في جوانب حياتنا كلها) قائلاً: «في رحلة طويلة بالطائرة، كان من عادتي أن أجلس جانب النافذة، وأن أنظر إلى الخارج لكي أتجنب الحديث مع جاري، وهكذا وفي يوم من أيام آذار عام 1982، وفي بداية رحلة بين سان فرانسيسكو وفيلادلفيا، لاحظت بانزعاج أن هذه الخدعة لن تنطلي على أحد هذه المرة، قال جاري بحرارة: «صباح الخير. أنا جون ليسلي، وأنت؟» «آه لا! الرحمة! فكرت. إنه ثرثار» همست باسمي، وسلمت عليه ببرود على أمل أن تدفعه طريقتي اللطيفة إلى التوقف. مع الأسف لم تحبطه طريقتي بالسلام، فلم يتوقف عن السلام، فلم يتوقف عن الكلام. شرح لي، وقد بدأت الطائرة بالتحرك ببطء على مدرج الإقلاع، إنه يعمل في تربية الخيول، «حين أصل إلى مفترق، ليس علي إلا التفكير في الوجهة التي سيأخذها الحصان لكي أوجهه. وأنا في عملي، أعمل على تربية الناس: ليس علي إلا التفكير في ما أريد الحصول عليه منهم لكي يقوموا به». هكذا بدأ حديث غير متوقع، ولم يكن مرغوباً فيه، من جهتي ولكنه شكل منعطفاً مثيراً في مسار أعمالي، كان ليسلي متفائلاً منيعاً، لا يترك فرصة، لأنه لم يشك لحظة في تأثير كلماته فيّ. وهكذا لما كانت الطائرة تحلق فوق جبال السيرا نيفادا، كنت أستمع إليه باهتمام كبير.
ويناقش المؤلف فكرة مهمة وهي (كيف يصل التفاؤل أو التشاؤم إلى الأطفال) ويقول: «سواء كنا متفائلين أم متشائمين، فإن طريقة تفسيرنا للحياة، وللحظات السعادة أو التعاسة فيها، ترتسم إبان مرحلة الطفولة، وتصبح جزءاً لا يتجزأ من الشخصية. تعمل هذه الطريقة كمصفاة لحالات الفشل والنجاح القادمة كلها، وتصبح عادة طريقة تفكير ثابتة في هذا الفصل، وسنرى صدى طريقة التفسير على الأطفال، والوسائل الممكنة لتغيير مسارها.

اختبر تفاؤل طفلك، كيف يفكر؟ وكيف تفكر؟
تتطور طريقة فهمنا للحياة وما يرافقها من سعادة وتعاسة، وتبدأ تتضح من سن السابعة، يمكنك أن تقيمه لدى ابنك أو ابنتك بفضل اختبار خضع له آلاف الأطفال من قبل. يشبه هذا الاختبار كثيراً اختبار الفصل الثالث، ويمكن لطفل بين ثمان وثلاث عشرة سنة أن يخضع للاختبار في عشرين دقيقة تقريباً. إذا كان طفلك أكبر من ذلك، فاقترح له الاختبار الموجود في الفصل الثالث. بالنسبة إلى الأطفال الأقل من ثماني سنوات، لا يوجد أي اختبار من هذا النوع يناسبهم بصورة كاملة، ولكن ثمة طريقة لقياس طريقة تفسيرهم، وسأقدمها لاحقاً في هذا الفصل. فرّغ، إذاً عشرين دقيقة، واجلس مع ابنك وقدَّم له الاختبار: «الأطفال كلهم لديهم طريقتهم في التفكير. لقد قرأت كتاباً بهذا الخصوص، وأتساءل كيف تفكر في بعض الأشياء التي يمكن أن تحصل معك. هذا مفيد حقيقة: توجد مجموعة من الأسئلة حول ما تفكر فيه كل سؤال يشبه قصة صغيرة، ويمكنك أن تتصرف مع كل قصة بطريقتين مختلفتين. عليك أن تختار أحد الجوابين. الذي يناسب تماماً ما تشعر به إذا ما كانت القصة تهمك حقيقة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن