ثقافة وفن

الفنان التشكيلي محمد هدلا والتأسيس لشخصية ثقافية خاصة

| ثناء خضر السالم

بدأ كل شيء في طرطوس القديمة، وهنا صار عليه الاستقرار فيها فهو-كما ذكر- محتاجٌ لمدينته الأثيرة لديه بجماليتها المعماريّة وعراقتها التاريخية. إنّه يحاول أن يؤسّس لذاته شخصيّة فنية واحدة عبر تعدد وجوهها، فطرطوس القديمة ما هي إلاّ قلعته وينبوع حياته، وقالبه، وضمانه ودمغته وعلامته الفارقة الرمزية، ومرساه الروحي مع الأشياء الماديّة.
لقد صارت إقامته في طرطوس أمراً طبيعياً، يستطيع مناجاة البحر وإعادة إبداع العالم على لوحته، كما يستطيع ابتكار لغته التشكيلية الخاصة به. مع الفنان التشكيلي محمد هدلا كان لي هذا الحوار:

تحضر طرطوس القديمة بقوّة في لوحاتك مع البحر والمراكب والنسوة المترقبات؟
طرطوس أكمل مدينة فينيقيّة على ساحل المتوسط، ذهبت إلى إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، لا يوجد لديهم إرث حضاري، عندنا يحاولون استغلال الجانب السياحي فقط. أنا لمّا أرسم الطبيعة الصامتة أو المرأة أو المراكب أربطها بطرطوس القديمة لأعطيها طابعاً بيئياّ محلّيّاً، أمّا المرأة فهي في أرواد في حالة انتظار تُخطب ويذهب خطيبها في البحر، وتتزوّج ويبقى الوضع على حاله، وأنا أرسم انطلاقاً من واقع.

تستخدم الرمل البحري في تأسيس لوحاتك وتعتمد الكولاج أيضاً؟
الرمل البحري يقرّبني من بيوت طرطوس المبنيّة من الحجر الرملي، ولكل فنان أسلوب خاص به فلا أستخدم دائماً الفرشاة والألوان، أستفيد من أوراق الجرائد والألوان الموجودة في المجلات في تأسيس اللوحة.

ألاحظ لوحاتٍ يطغى عليها الأحمر؟
هي رغبة بالتغيير وردّة فعل على كثرة استخدامي اللون الأزرق.

هل رسمت عن الحرب؟
لا أحب المباشرة في العمل، أهتم بالناحية الجمالية، فبالجمال نستطيع القضاء على الحقد والكراهية، هناك تناسب عكسي بين ارتفاع المستوى الحسي الجمالي عند الإنسان وانخفاض مستوى الكراهية.

هل اللوحة رحلة بحث عن الذات وتجديد لها؟
أكيد، لأنّ الإنسان عندما يمارس العمل الفني يشعر بإنسانيّته، وبأنّه يقدّم شيئاً مفيداً للإنسانيّة والمجتمع، فمن خلال الأسلوب الذي يختاره الفنان تتحدد شخصيته ورؤيته للعالم، وعندما يتطور أسلوبه هذا يعني أنّ هناك تقدّماً في إحساسه ووعيه وخبرته الفنية وكينونته.

برأيك هل من المهم أن يكون الفنان التشكيلي أكاديمياً كي تنضج تجربته الفنية؟
الدراسة الأكاديميّة ضروريّة للفنّان، لأنّها تصقل موهبته وتنمّيها، وتطلعه على الكثير من المواد الدراسية، فالمنظور الهندسي، والتشريح الفني وتكنولوجيا المواد وفلسفة الفن وغيرها من المواد تنمّي ثقافته وخبرته الفنية، والشهادة ضرورية لأننا الآن نعيش في عصر الشهادات، وخاصة الشهادات ما بعد الجامعية، دبلوم ماجستير دكتوراه.

ما الذي أفدته في معارضك الخارجية، وكيف كان إقبال الجمهور، هل هم أفضل منا في تذوّق الفن، وهل هم أكثر توافداً؟
الفائدة هي معنويّة بالدرجة الأولى، وكان إقبال الجمهور جيداً جداً في باريس والمدن الفرنسية الأخرى، وكان يتم حوار مطوّل ومهم مع الجمهور حول تقنية الأعمال والأسلوب، ولقد كان لمعارضي صدىً طيب لدى الجمهور المثقف الذي يمتلك حساً فنياً عالياً. هم أفضل منا في تذوّق الفن، لأنّهم يهتمّون بتنمية الإحساس الفني والجمالي منذ الطفولة من خلال التركيز على مادة التربية الفنية في المدارس، والفن منتشر عندهم في كل مكان، الشارع، الحديقة، المدرسة، الجامعة، محطات القطار والمترو.

إذاً الجمهور في المعارض يضيف لك؟
التواصل مع الجمهور ضروري جداً للفنان، لأنّه يوجد بين الجمهور متذوّقون للفن التشكيلي ولديهم حس فنّي راق وخبرة فنية جيدة، فيمكن أن ينشأ حوار مفيد للجهتين أي الفنان والجمهور، الفنان يستفيد من النقد الموجه له وكذلك الجمهور ينمو حسه الفني.

تنوّع بين أكثر من مدرسة؛ لتكوّن عالماً خاصّاً بك. هل المزج تلقائي عفوي أم مدروس لتشكّل بصمتك التي تجعلك متفرّداً عن سواك؟
المزج مدروس، أمّا الأسلوب ففيه بعض من الواقعية الحديثة والتجريديّة والتعبيريّة والانطباعيّة. حاولت أن أمزج بين هذه المدارس وأكوّن أسلوبي الخاص بي، فيه من طرطوس القديمة والبيئة البحرية التي أنتمي إليها الشيء الكثير.

لو أتيح لك التواصل مع تشكيليين راحلين مع من تتواصل؟ وماذا تقول لهم؟
هناك عدد من التشكيليين الراحلين تركوا بصمة على الأجيال اللاحقة ولا يزال تأثيرهم حتى الآن. من سورية «فاتح المدرّس» ومن لبنان «بول غيراغوسيان» ومن مصر «صلاح طاهر» ومن العراق «جواد سليم»، أقول لهم جميعاً: شكراً لكم لقد أرسيتم دعائم الفن الحديث في الوطن العربي.

بمَ تنصح التشكيليين الجدد؟
الدراسة والاطّلاع على كل ما يتعلّق بالفن التشكيلي من مجلات وكتب ومعارض وأنشطة فنية مختلفة، وممارسة العمل الفني بشكل دائم، لأنّه من خلال العمل يتطوّر الفنان، ويكتشف أسلوبه وتقنيّته الخاصة.

هل أنت راض عن إعلامنا فيما يخص تجربتك التشكيلية؟
نعم، لقد كتب الكثير عن تجربتي الفنية في أغلب المجلات والجرائد السورية منذ معرضي الفني الفردي الثاني في المركز الثقافي أبو رمانة في دمشق1971، كنت حينذاك طالباً في الصف الحادي عشر، وحتى الآن، وفي بعض الكتب المهمة ككتاب ( تيارات الحداثة) للناقد الفني المعروف سورياً وعربياً أديب مخزوم، و(قاموس الفن للجميع) للفنّان الراحل سعد الله مقصود.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن