ثقافة وفن

فوق التخيل

إسماعيل مروة :

كالوشم كانت، كنقش الحناء البارع فوق جسد صقيل لامع كانت حين انهمرت شلالات من الفرح والحزن، من الوجد والفقد، من الاشتياق والحرمان، فكانت وحدها نكهة الأرض التي لا تشبه سواها، لا تحاول يا هذا إزالة الوشم فللروح صنع وبها التصق، لا تزال الحناء، فالعروق على بياض الروح نقشت، ولن تفلح معها كل محاولات الإزالة والطمس… إنها الوطن الذي ما بعده وطن، إنها الروح التي لن تستوعبك بعدها روح، إنها بقايا ألوهة لم تستطع كل ألسنة اللهب النيل منها، أو اجتثاث جذوة الحب منها، والرغبة في البقاء، والاحتفاظ بالألق!
إنها شام وهل مثل شام؟!
تصمت دهراً، وحين تبوح تحمل شارة العابد وتتقدم لاحتواء عابدها في مغاراتها وكهوفها، لتخفيه بين عروق الحناء، وتحت احتراق الوشم على جسد الألوهة!
فوق التخيل هذه شام
فوق حدود القصور ما تحتويه
تدور الكون، وتعود وقد حفر العابد ذكراه بين جوانحها
تحتويه ولا تفعل
تزرعه في الأرجاء ولا تصل إليه
تبرق إليه ولا تستدعيه
كيف تفعل؟
لن تفعل، وهي تعرف أنه مزروع في كل حارة، عند كل منعطف، يرقب بسمتها، يحرس آهتها، يحتوي نشوتها، يطوق ألوهتها بسياج عبوديته، من كان للشام نذره، فإنه يتقبل منه
ليس كهابيل، ليس كقابيل
نذره لشام، وعلى حدود شام تجلّ النذور
روحه نذر
دمه نذر
عمره نذر
غده نذر
وكل النذور لا ترقى إلى إشراقة صبح في شام
إلى كلمة تنبعث مما فوق التخيل
إلى قبولها النذر وهي تدرك أنه عابد وكفى
لك كل النذور، على أعتابك، على وشمك، على أرصفتك
هناك لا يضيع العمر
هناك لا تذهب النذور هباء
تلمّ شام دم العابد، وتصنع منه حنّاء الغد
اللون أحمر
والدم نبيذ
وشام مغارة عشق أبدي وخلود سرمدي..
فوق التخيل أنت يا أنقى النقاء
طوّقي عابدك المتجذر في عطرك

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن