من دفتر الوطن

تَلْعِيبُ الثقة

| حسن م. يوسف

لو خرج جورج أورويل، كاتبُ (رواية 1984) الخيالية الغرائبية، من قبره، وشهد حال العالم الآن، لاكتشف أن واقع البشرية بات أغرب من أغرب ما خطر على باله قبل سبعين عاماً.
منذ مدة قرأت نكتة مضحكة عن العلاقة بين المخابرات المركزية الأميركية والمخابرات البريطانية MI6، فمهمة المنظمتين هي التجسس الخارجي، وبما أن قوانين بلديهما تمنع أياً منهما من التجسس على مواطنيها، فهما تتبادلان الخدمات وتقوم كل منظمة بالتجسس على مواطني البلد الآخر لحساب الأخرى!
يوم الأربعاء الماضي قرأت على صفحة (يورو نيوز) أن مدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا الأميركية ستكون أول مدينة أميركية تمنع استخدام تقنية التعرف على الوجوه.
وذلك بعدما صوت المشرعون (ثمانية من أصل أحد عشر) على القرار، وسيتم إقرار الإجراء رسمياً في المدينة بعد إعادة إجراء تصويت ثان خلال هذا الأسبوع.
وكان أحد الأصدقاء قد أرسل لي منذ مدة رابط مقال من موقع science alert بقلم بيتر دوكريل عن نظام مراقبة يقوم على تقنية التعرف على الوجوه، تم تشغيله تجريبياً في العديد من المدن الصينية منذ العام الماضي وسيكون جاهزًا للعمل بحلول عام 2020.
سمي هذا المشروع نظام الائتمان الاجتماعي، وهو يتكون من شبكة مراقبة جماعية مترامية الأطراف لم يشهد العالم مثيلاً لها من قبل.
وسيقوم «نظام الائتمان الاجتماعي» بمراقبة ما يقرب من 1.4 مليار مواطن في البلاد، أي خمس عدد سكان كوكب الأرض! وهو لا يكتفي بمراقبة المواطنين وحسب، بل هو مصمم للتحكم بمعطياتهم أيضاً! وقد أطلق البعض على هذه التجربة العملاقة في مجال الهندسة الاجتماعية Gamification of Trust أي «تلعيب الثقة».
وقد بدأ العمل على هذا المشروع الضخم، منذ أكثر من عشرة أعوام، ويتمحور حول تعيين درجة ثقة فردية، لا لكل واحد من المواطنين وحسب، بل لشركات الأعمال أيضاً.
وقد أفاد مصدر مسؤول أن هذا النظام «سيسمح للجديرين بالثقة بأن يتجولوا بحرية حيثما يشاؤون، على حين يجعل من الصعب على من يفتقرون إلى الرصيد الاجتماعي القيام بخطوة واحدة».
وقد سخرت لهذا النظام كل البنية التحتية التكنولوجية الهائلة في الصين، التي تبلغ نحو 200 مليون كاميرا مراقبة، وسيتم ربط هذه الكاميرات بأنظمة التعرف على الوجوه، ومطابقتها مع السجلات المالية والطبية والسجلات القانونية للمواطنين- وتمريرها عبر نظام متكامل لتحليل وتفسير البيانات، لتصب في شبكات ذكاء اصطناعي متطورة ومتقدمة، مؤهلة لمعالجة البيانات الضخمة.
يتم منح المواطنين درجاتٍ رقمية تزيد وتنقص وفق سلوكهم الذي ترصده كاميرات المراقبة، ويمكن للمواطن النموذجي أن يكافأ بتسهيلات ائتمانية أفضل، ووسائل نقل عام أرخص، وحتى أوقات انتظار أقصر للحصول على الخدمات الطبية في المشافي، أما المخالف فيعاقب!
يأمل بعض المواطنين الصينيين أن يساعد هذا النظام «على تحسين جودة المواطنين على المدى الطويل»، على حين يتخوف الكثيرون على حريتهم منه، ويرون أنه قد يكون البداية لتسلط الآلة على مصير الإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن