قضايا وآراء

المواجهة السياسية

| مازن بلال

يمكن فهم معارك إدلب من زاوية خاصة مرتبطة بأشكال المواجهات المتبدلة، فالمعركة التي بدت تكتيكية لأبعد الحدود، ولم تفتح باباً دولياً كسابقاتها من أشكال التصعيد؛ تطرح أزمة في قدرة أي طرف على التأثير في المعادلة السورية القائمة، كما يطرح الانحسار الدولي في التعامل المباشر مع الحدث السوري معضلة القدرة على خلق توافقات جديدة، فمعارك شمال حماة كشفت عدم قدرة الدول الضامنة على تقديم المزيد بخصوص مناطق التوتر المتبقية في سورية.
عملياً فإن المعارك الأخيرة هي مؤشرات أولية على أن مآل الحرب في سورية هو في مكان آخر، وأن مسألة إنهاء الحالات العسكرية القائمة لم تعد مرتبطة بتوازن خاص فرضته القوى الدولية بعد التدخل الروسي عام 2015، فحدود القوة الممكنة بالنسبة للولايات المتحدة وروسيا وصلت إلى نقطة لم يعد من المفيد تجاوزها، وهذا الأمر اتضح بشكل واضح عندما قامت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بقصف سورية العام الماضي، حيث أوضح هذا العدوان عدم إمكانية خلق مسارات سياسية جديدة بفعل عسكري دولي، كما أن السيناريو الدولي قبل الاعتداء يوحي بتفاهم دولي على إبقاء أشكال الاشتباك في سورية من دون أي تبديل.
رغم المؤشرات السابقة فإن التصعيد الأخير في إدلبكان اختباراً ضمن الدول الضامنة في لقاءات أستانا، وذلك بعد أن تحول الصراع الدولي من «المستوى السوري» إلى شكل إقليمي من خلال احتمال المواجهة مع إيران، فالتبدل الأساسي يطال التنسيق الثلاثي بين موسكو وأنقرة وطهران، حيث توضح النقاشات في مجلس الأمن حول إدلب أمرين أساسيين:
الأول أن هذا التنسيق يتخذ شكلاً محايداً في الاشتباك السياسي بين أنقرة ودمشق، وهو موقف يفرضه الحفاظ على «التنسيق» بذاته في ظل احتمال المواجهة بين إيران وواشنطن، فالمهم بالنسبة للأطراف الثلاثة هو القدرة على التماسك ضمن واقع من التوتر تفرضه الولايات المتحدة لتغيير المعادلة الإقليمية.
الثاني بقاء أنقرة ضمن الاشتباك السياسي الحاد مع دمشق بشكل يتجاهل عمداً مساحة الخطر المشتركة بينهما في شرقي الفرات، فهي لا تريد التصعيد مع الولايات المتحدة وتتجاهل خطورة المعارك التي تخوضها بعض الفصائل المدعومة من قبلها مع ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية – قسد»، وذلك لمصلحة الحفاظ على علاقة مستقرة مع واشنطن.
الملاحظ في المواجهتين العسكرية والسياسية بشأن إدلب أن الأزمة السورية أصبحت ضمن الهامش الأبعد في ترتيب الشكل الإقليمي، فالولايات المتحدة مقتنعة بـ«صفقة القرن» التي تحتاج لمستوى مختلف يطال إيران، وعلى الجانب الآخر فإن موسكو تريد الوقت الكافي لإعادة ترتيب وجودها في المنطقة انطلاقاً من سورية، فالتحولات في شكل المواجهة لا تبدو وشيكة، وعندما تطرح واشنطن الصيغة النهائية لما تسميه صفقة القرن سيتضح شكل العلاقات من جديد على المستوى الإقليمي، على حين تبقى العلاقات على المستوى السوري مرهونة بخرق آخر مرتبط أساساً بإعادة صياغة الأزمة السورية.
بانتظار الاحتمالات القادمة فإن الشكل السياسي للأزمة السورية يحتاج لاحتمال جديد، وللخروج من دائرة الأطراف التقليدية للسياسيين الذين دخلوا إلى جنيف للتفاوض مع الحكومة السورية، لكنهم عجزوا عن الخروج من دائرة مغلقة غايتها إحراج دمشق، فالسياسة المرتقبة تحتاج إلى مجال سياسي مختلف، ولإدراك أن العلاقات التي يمكن أن تظهر نتيجة الطرح الأميركي بـ«صفقة القرن» ربما يمضي زمن قبل أن تتغير، فالأزمة السورية لم تعد بحاجة لتفاوض إنما لرؤية سورية للحد من عبثية البحث عن حلول داخل التوازنات الدولية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن